فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
وهو معنى التأويل الثاني من تأويل حديث الباب، إذ يحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم أنه كثير السفر؛ لأن المسافر يمسك العصا بيده، ويستعملها في سفره؛ ومن شأن المسافر، إذا أراد أن ينزل في الموضع رمى العصا من يده وقال زهير:
فملا وردن الماء زرقاً جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم
وهذا الوجه وإن كان معروفاً من فعل العرب، وقد فسرت الناس به حديث فاطمة، فليس له عندي مدخل في هذا الحديث، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم الوجه الأول من التأديب والشدة، ويدل عليه أن بعض رواة هذا الحديث روى أنه قال: "أما أبو جهم فأخاف عليك قساقسته". و"القسقاسة": العصا، وسميت قسقاسته؛ لأن الإنسان يقس بها الدابة؛ أي: يسوقها، وصحفه قاسم فقال: "قشقاشة" بالشين المعجمة.