ففي تفاعلنا تلفظ بالمعنى الذي في فاعلته، وذلك قولك تضاربنا وترامينا وتقاتلنا. وقال بعد ذلك: وقد تجيء تفاعلت على غير هذا ما تقول عاقبت ونحوها لا تريد بها الفعل من اثنين، وذلك قولك تماريت في هذا، وتراءيت له، وتقاضيته، وتعاطيت منه أمراً قبيحاً، فلم يجز سيبويه تعدى تفاعل إلى مفعول إلا إذا كان من واحد، ولم يجزه إذا كان من اثنين لكل واحد منهما حظ في العمل، والعلة في ذلك أن قولك: تفاعلنا قد تضمن الفاعل والمفعول الذي في قولك فاعل، ألا ترى أنك تقول ضاربت زيداً وضار بني زيد، فتجعل أحد كما الفاعل والآخر المفعول، فإذا قلت تضاربنا لم يجز أن يتعدى لأنك قد أسندت الفعل إلى كل واحد منكما وجعلته فاعلاً، وتضمن الكلام أن كل واحد منكما صارب صاحبه، فلذلك امتنع من التعدي؛ إذ لم ين هناك مفعول خارج عنكما، وليس كذلك تنازعنا الحديث، لأن في هذا مفعولاً آخر خارجاً عنكما لاحظ في إسناد الفعل إليه، ألا ترى أنك تقول نازعت زيداً الحديث فتعديه إلى مفعولين، فإذا قلت: تنازعنا الحديث لم يكن بد من ذلك المفعول الثاني، لأن قولك تنازعنا إنما تضمن أحد المفعولين ولم يتضمن الآخر، فإذا كان الأمر على ما قلناه فليس فيه نقض لما قاله سيبويه، لأنا قد أخبرنا أن العلة المانعة من تعديه تضمنه المعنى الذي في فاعلته، وتنازعنا الحديث لم يتضمن المعنى في نازعته الحديث كله فلذلك تعدى. على أن سيبويه كان يلزمه أن يذكر أن هذا إنما يكون في فاعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد دون فاعل المتعدى إلى اثنين، ففي كلامه من هذا الوجه نقص عن توفية الغرض الذي أراده.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015