وسفك الدماء، كما يقال: هذا كلام يقطر منه الدم، فإذا حمل الشعر على هذا كانت (على) قد وقعت موقعها، والضمير قد عاد إلى مذكور، وفي الأشعار الجاهلية والإسلامية القديمة كثير من هذا النوع قد أفسدته الرواة، فقدموا وأخروا، يرى ذلك من تأمل الأشعار وعني بها كقول طرفة:
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدى ساقة قدمه
عند أنصاب لها زفر ... في صعيد جمة أدمه
ولا مدخول لقوله "عند أنصاب" في هذا الموضع ولا يتعلق به إلا على استكراه وتأويل بعيد، وإنما موضعه اللائق به بعد قوله
أخذ الأزلام مقتسما ... فأتى أغواهما زلمه
لأنهم كانوا يستقسمون بالأزلام عند الأصنام. وكذلك ما أنشده يعقوب من قول الراجز:
إن زل فوه عن اتان مئشير ... اصلق ناباه صياح العصفور
يتبعن جابا كمدق المعطير
وإنما ينبغي أن يكون قوله (يتبعن جأبا) قبل قوله (إن زل فوه)، لأن الضمير إليه يرجع.
وأنشد أبو علي البغدادي في نوادره (حمراء من معرضات الغربان) يقدمها كل علاه عليان.
وإنما ينبغي أن يكون قوله: يقدمها قبل قوله حمراء وحمراء صفة لعلاه. ويجوز رفعها على أن تكون صفة لكل. والعلة في اضطراب هذه الروايات أن