متنزها فلقي غلاماً حسن الصورة وفي يمينه ورد فاستحسنه وأمر أن يصنع له فيه شعراً فإذا غني المغني ذلك الشعر، طرب وفعل ما رأيت، فقلت: وما في هذا مما يطرب حتى يبلغ فيه هذا المبلغ؟ فسأل كسرى الترجمان عما حاورني فيه؟ فأخبره، فقال: قل له إذا كان هذا لا يطرب فما الذي يطربك أنت؟ فأدى على الترجمان قوله فقلت قول الأعشى:
ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي فما يرد سؤالي
فأخبره الترجمان بذلك فقال كسرى: وما معنى هذا؟ فقلت: هذا شيخ مر بمنزل محبوبته فوجده خالياً قد عفا وتغير، فوقف فيه وجعل يبكي. فضحك كسرى وقال: وما الذي يطربك من شيخ واقف في خربة وهو يبكي؟ أو ليس الذي أطربنا نحن أولى بأن يطرب له؟ قال طليحة: فثقل عليه حالي بعد ذلك.
* * *
وأنشد ابن قتيبة في هذا الباب:
(325)
(شدخت غرة السوابق فيهم ... في وجوه إلى اللمام الجعاد)
هذا البيت لابن مفرغ الحميري مدح به قوماً وأراد أنهم مشهورون بالسبق إلى الفضل كشهرة الفرس الذي شدخت غرته حتى ملأت جبهته، وأن لهم لمما جعادا - وهي الشعور التي تلم بالمناكب واحدتها لمة- فإذا لم تجاوز شحمة الأذن فهي وفرة، وأراد بالجعودة هاهنا: غير المفرطة وأما الجعودة المفرطة فليست مما يستحب.
* * *