الرجل. وكذا سائر الجهات؛ فكل ما قيل قيه أنه في جهة فقد قيل أنه في حيز مع زيادة إضافة.
وقولنا الشيء في حيز، يعقل بوجهين أحدهما: أنه يختص به بحيث يمنع مثله من أن يوجد بحيث هو، وهذا هو الجوهر، والآخر أن يكون حالاً في الجوهر فإنه قد يقال إنه بجهة، ولكن بطريق البتيعة للجوهر، فليس كون العرض في جهة ككون الجوهر، بل الجهة للجوهر أولى، وللعرض بطريق التبعية للجوهر، فهذان وجهان معقولان في الاختصاص بالجهة. فإن أراد الخصم أحدهما دل على بطلانه ما دل على بطلان كونه جوهراً أو عرضاً.
وإن أراد أمراً غير هذا فهو غير مفهوم فيكون الحق في إطلاق لفظه لم ينفك عن معنى غير مفهوم للغة والشرع لا العقل، فإن قال الخصم إنما أُريد بكونه بجهة معنى سوى هذا فلم ننكره، ونقول له: أما لفظك فإنما ننكره من حيث أنه يوهم المفهوم الظاهر منه وهو ما يعقل الجوهر والعرض وذلك كذب على الله تعالى. وأما مرادك منه فلست أنكره فإن ما لا أفهمه كيف أنكره! وعساك تريد به علمه وقدرته وأنا لا أنكر كونه بجهة على معنى أنه عالم وقادر، فإنك إذا فتحت هذا الباب، وهو أن تريد باللفظ غير ما وضع اللفظ له ويدل عليه في التفاهم لم يكن لما تريد به حصر فلا أنكره ما لم تعرب عن مرادك بما أفهمه من أمر يدل على الحدوث، فإن كان ما يدل على الحدوث فهو في ذاته محال ويدل أيضاً على بطلان القول بالجهة، لأن ذلك يطرق الجواز إليه ويحوجه إلى مخصص يخصصه بأحد وجوه الجواز وذلك من وجهين، أحدهما: أن الجهة التي تختص به لا تختص به لذاته، فإن سائر الجهات متساوية بالاضافة إلى المقابل للجهة، فاختصاصه ببعض الجهات المعينة ليس بواجب لذاته بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه، ويكون الاختصاص فيه معنى زائداً على ذاته وما يتطرق الجواز إليه استحال قدمه بل القديم عبارة عما هو واجب الوجود من جميع الجهات. فإن قيل اختص بجهة فوق لأنه أشرف الجهات، قلنا أي إنما صارت الجهة جهة فوق بخلقه العالم في هذا الحيز الذي خلقه فيه. فقيل خلق العالم لم يكن فوق ولا تحت أصلاً. إذ هما مشتقان من الرأس والرجل ولم يكن إذ ذاك حيوان فتسمى الجهة التي تلي رأسه فوق والمقابل له تحت.
والوجه الثاني أنه لو كان بجهة لكان محاذياً لجسم العالم، وكل محاذ فإما أصغر منه وإما أكبر وإما مساو، وكل ذلك يوجب التقدير بمقدار، وذلك المقدار يجوز في العقل أن يفرض أصغر منه أو أكبر فيحتاج إلى مقدار ومخصص.