بل هَهُنَا أَمر زَائِد وَهُوَ دلَالَة اللَّفْظ على أَنه سمع جَمِيع مَا يرويهِ من الشَّيْخ وَلم يكن المتقدمون على هَذَا التساهل هَذَا أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ يَقُول فِيمَا لَا يُحْصى من الْمَوَاضِع فِي كِتَابه وَذكر كلمة مَعْنَاهَا كَذَا وَكَذَا
وَالَّذِي أرَاهُ فِي مثل هَذَا أَن يسْتَقرّ الشَّيْخ بِرِوَايَة جَمِيع الْجُزْء فَإِذا وَقع مثل هَذَا فِي السماع أطلق الرَّاوِي الْأَخْبَار قَائِلا أخبرنَا فلَان من غير أَن يَقُول قِرَاءَة عَلَيْهِ
لأَنا قد بَينا أَن الْإِخْبَار الْجملِي فِي هَذَا كَاف لمطابقة الْوَاقِعَة وَكَونه على قانون الصدْق
وَغَايَة مَا فِي الْبَاب أَن يكون بعض تِلْكَ الْأَلْفَاظ الَّتِي لم يسْمعهَا دَاخِلَة فِي هَذَا الْإِخْبَار الْجملِي وَذَلِكَ صدق
وَإِنَّمَا كرهنا ذَلِك فِيمَا إِذا لم يسمع الْجُزْء أصلا لمُخَالفَته الْعَادة ولكونه قد يُوقع تُهْمَة إِذا علم أَنه لم يسمع الْجُزْء من الشَّيْخ وَهَذَا مَعْدُوم فِي هَذِه الصُّورَة لَا سِيمَا إِذا أثبت السماع بِغَيْر خطه وانتفت الرِّيبَة من كل وَجه
وَاسْتَحَبُّوا أَيْضا عقد مجْلِس الْإِمْلَاء أسيا بالسلف الماضيين وَلِأَنَّهُ لَا يقوم بذلك إِلَّا أهل الْمعرفَة وَلِأَن السماع يكون محققا متبن الْأَلْفَاظ مَعَ الْعَادة فِي قِرَاءَته للمقابلة بعد الْإِمْلَاء
وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي شعرًا فِيهِ ... فأجل أَنْوَاع الحَدِيث بأسرها ... مَا يكْتب الْإِنْسَان فِي الْإِمْلَاء ...