إحداها: أنها خُيِّرت على زوجها لمّا عتقت، فدل ذلك على أن الجارية المملوكة إذا عتقت وهي تحت زوج مملوك يكون لها الخيار، إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وبانت منه بينونةً صغرى؛ لأنها ملكت نفسها. وكان زوجها عبداً أسود رقيقاً، فدل ذلك على أن الحكم هو هكذا، إذا عتقت جارية تحت زوج رقيق، فإنها بالخيار إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وقد كان زوجها يحبها كثيراً، ويُسمَّى مغيثاً، وكان يبكي عليها كثيراً، لأنها عافته، وامتنعت منه، فجاءها النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع في قبولها زوجها وعدم فراقه، فقالت: يا رسول اللَّه تأمرني؟ قال: «لا, ولكن أشفع». قالت: لا حاجة لي فيه (?).
هذه من الفوائد أيضاً: أن الشفاعة ما تلزم، ولو كانت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها غير الأمر، فإذا شفع - عليه الصلاة والسلام - إلى إنسان ليسقط ديناً عن فلان، أو يسقط بعضه، أو يسقط القصاص، أو ما أشبه ذلك، فالمشفوع إليه إن شاء فعل، وإن شاء ترك: ما يلزمه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قالت بريرة: «تأمرني أم تشفع؟»، قال: «بل أشفع» , فقالت: «لا حاجة لي فيه» , ولم يلمها، ولم يُنكر عليها عدم قبول الشفاعة.