لبدنه؛ إذ الميل إلى كل مطعوم لأجل استلذاذ طعمه أو لأجل منافعه أو لحفظ الصحة، وقد يؤذي وفيها مضار كثيرة من حيث علم الأبدان.
فكان الذي يشربها على كونها تزيل عقله الذي يعبد به ربه، ويستضر بها في بدنه، وتكدر عيشه بمرارة طعمها؛ فإنه كالمعاند لربه إذا لم يتفق عليه النفاق، اغتفر له هذه المساوئ كلها إلا من حيث إن الله حرمها، فإذا آثر شربها شارب على اتباع أمر الله عز وجل - كان من جنس عقوبته أن يمنعه الله عز وجل منها حين يطلقها لعباده المؤمنين، على أنه قد ذكر بعض الناس أنه كان يوما في شرب فأنشد من أولئك الشرب بيت البحتري:
وكم من أخ لو حرم الماء لم أكن له .... ولو أنني مت ظمآن شاربا
قال: فسمعت ذلك البيت، فقلت في نفسي: أيقول هذا: إنه لو حرم أخوه الماء لمات ظمآن ولم يشربه، ويكون ربي عز وجل قد حرم علي هذه الخبيثة ثم أشربها، لا أشربها أبدا. فذكر أنه لم يشربها حتى لقيته، وأحسبه كان على ذلك حتى مات.