إنما كان أهل الجاهلية يسعونها، ويقولون: لا نُجيزُ البطحاء إلا شَدًا).
* قد بينا أن الرمل والطواف بالبيت في الأشواط الثلاثة إنما كان لإظهار (29/أ) الجلد. وذلك المعنى موجود في السعي لأدفع من فطنة المشركين بإيهان الحمى للمسلمين فيما خيف منه. وقد تقدم قولنا في هذا الأمر مما بقي حكمه بعد زوال سببه؛ ليكون ذلك مشيرًا إلى جواز استعمال مثله في غير الطواف والسعي إرغامًا للعدو وكيدًا له.
* فأما قول ابن عباس رضي الله عنه: (ليس السعي بين الصفا والمروة بسنة) يحتمل أن يكون أليس بسنة بإسقاط همزة الاستفهام يعني: أليس السعي بسنة؟ وما ذكره عن الجاهلية فإنه يعني فيما أرى أن فعل الجاهلية وإن كان موافقًا لما فعله المسلمون في الصورة فقد خالفه في القصد.
-1086 -
الحديث الحادي والعشرون:
(عن ابن عباس قال: (انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزُر إلا المزَعْفَرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحُليْفة، فركب راحلته، حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنته، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بُدْنه؛ لأنه قلدها، ثم نزل بأعلى مكة عند