أبيض مثل الصفا (200/ أ) فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه.
* والمجخي: المنكوس، والمرباد: شدة البياض في السواد.
* وتفسير هذا أو شرحه -والمعين الله تعالى-: أن الفتن تعرض على القلوب كعرض الحصير، والحصير فعيل من الحصر، وهو التضيق والحبس والشدة.
* وقوله: (عودًا عودًا) أي مرة بعد مرة، وهذا فهو يفتن بالمثل الذي يضرب له، وهو أن القلب تعرض عليه الفتنة، وأصل الفتنة الامتحان والاختبار، وذلك أنه قل ما يمر على الآدمي حال إلا ويجوز أن يكون مختبرًا بها، فإذا أتته حال فتنة عرف الشيطان أنها له في الآدمي حال انتهاز فرصة واهتبال غرة فجعلها مركبًا لكيده وشوكة لإشراكه، فإن كان القلب لم يرسخ فيه الإيمان، بل هو طاف عليه طفوًا كطحلب على الماء، لم يكن ما يصدم الفتن منه ذا رسوخ ولا تمكن، فيتزلزل للفتنة وتنقطع فيشر بها القلب، فبقدر ما ينكشف من القلب لها ينكت فيه نكتة سوداء من ذلك الحيز الذي دخلت الفتنة فيه منه؛ لأن القلب يشتمل على معان، فإذا جاءته الفتنة من معنى من تلك المعاني فأشربها اسود ذلك الموضع الآخر، فلا يزال هكذا حتى يسود قلبه كله من جميع جوانبه، وتصوير ذلك أنه لو علق مصباح في زجاجة، وكانت الزجاجة صافية من نواحيها كلها، فإنها تضيء من جميع جهاتها، فلو صادفها من جانب من جوانبها دخان، وتكرر عليها، ولم يمط عنها فإن ذلك الموضع يسود فلو قد كان ذلك في جميع أجزائها لأظلمت من سائر نواحيها.
* وقوله - صلى الله عليه وسلم - (يعود القلب مربادًا) أي في لونه ربدة، وهو (200/ ب) ما بين السواد والغبرة. وقوله (كالكوز مجخيًا) يعني منكوسًا يصير أسفله أعلاه يعني - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يخلص منه شيء من الأذى المحتبس فيه، فهذا أحد القلبين اللذين وصفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (تكون القلوب على قلبين).