* في هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى كان قادرًا على أن يغني الخلق فلا يجد أ، حد مصرفًا لصدقته، إلا أن ذلك كان يعود ضارًّا للخلق من وجوه: منها أنهم كانوا لاستغنائهم كلهم؛ لأنه لم يكن أحد منهم يحتاج إلى أن يعمل غيره شغلًا؛ فكان من يريد حاجة من دواء في بلد ناءٍ بعيد أو حاجات دواء في بلاد نائية بعيدة يحتاج أن ينهد بنفسه إلى ذلك البلد، فيأتي بتلك الحوائج منفقًا على كل حاجة منها أضعاف ثمنها، وعلى هذا في الصناعات والحرف والمهن وغير ذلك، فكان يفتقر الكل، ويضطرب التدبير، وإنما كانت حكمة الله سبحانه أبلغ، وتقديره أنفع، أن عمم الفقر في الكل حتى استغنى الكل، وفي هذا أقول:
جسوم لا يلائمها البقاء .... وأجزاء تخللها الثواء
وكون الشيء لا ينفك يعني .... بذلك أن غايته الفناء
نكب على التكاثر وهو فقر .... وتعجبنا السلامة وهي داء
ونجزع للشدائد وهي نصح .... وتلهينا وقد عز الرجاء
(118/ أ)
تنافى الناس فانتفوا اضطرارًا .... وقد يرجى من الداء الدواء
وعم الفقر فاستغنوا ولولا .... عموم الفقر ما عم الغناء
* وكان معنى الصدقة أن الله تعالى وضعها ليبلو بعضنا ببعض، وينظر كيف نعمل فيما حولنا، فاقتضى هذا ألا تسمى الصدقة صدقة إلا أن يتصدق بها المتصدق، وهو صحيح شحيح يخشى الفقر، ويأمل البقاء أو الغنى؛ لأنه في ذلك على هذا المعنى تصح البلوى، ويستقيم الأصل، فأما إذا بلغت الحلقوم،