فوق ما وجبت على من كان منهم في زمانه؛ لأنه- أعني من جاء بعده- رأى صدقه في خبره، فلذلك قال الله عز وجل في آخر الآية المذكورة: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.

وكان الشيخ محمد بن يحيى رحمه الله يقول: والله لئن كفرت؛ ليكونن كفري أقبح من كفر أبي جهل بن هشام؛ لأن أبا جهل لم ير من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أخباره بعد موته ما رأيته أنا، وهذا فهو من حيث إنه أعجب؛ لأنه أمكن في الثبوت، فكان ذلك من الإيمان.

* الخصلة الثانية والأربعون: الحياء.

ولما كان الحياء ناشئًا عن عقل، عرف قبح القبيح الذي قبحه الشرع، فاستحيى من إتيانه، وكان المؤمن قد جبله الله على الحياء من حيث إنه سبحانه وتعالى استنفذ وسع العبد بالحياء من تواتر فضل الله في الطاعة، أضعاف ما يستنفذ به وسع أهل القحة بالسياط، فجبلهم على الحياء؛ لأنه سبحانه وتعالى ترك سياط سوق عباده إليه استحياؤهم منه، نحو الذي قد تقدم من قول الله سبحانه لعبده المستغفر مرة ثالثة: (غفرت لك، فاعمل ما شئت)، فكان هذا من أركان الإيمان.

* الخصلة الثالثة والأربعون: العي.

ولما كان العي من ثمار الحياء، وكون المؤمن يمنعه إيمانه من أن ينتحل الأقوال أو يخرجها مخرج التشدق، كان العي من المؤمن عن ترك الدخول فيما لا يعلم، والقول فيما لم يحط به، والفزع في جل أمره إلى قول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015