هاهنا، فهو من خصال الإيمان الواضحة البينة.
* الخصلة الثالثة عشرة: الحج.
وذلك أنه لما جعل الله عز وجل بيته الحرام، بحيث جعله من أرضه، بواد غير ذي زرع، لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس، وحملها على الأخطار، وتعريضها لأنواع المخاوف من احتمال الظمأ والجوع والسير في أرض قفر، من بر وبحر؛ لأن سائر نواحي الدنيا كلها مسلكها إلى البيت الحرام في شق وجهد، فكان إيثار المسلم احتمال هذه الأخطار وانتهاضه إلى هذا البلد؛ الذي ليس بذي ريف وأشجار وثمار، (86/ ب) فكان يتهم القاصد إليه من أجل ريفه وثماره؛ ولا هو بلد رخي العيش رخيص السعر، فكان يخال في قاصده أنه نهض إليه لطلب الرفق.
فلما نهض المسلمون محتملين لما قدمنا ذكره إلى قصده، حتى وقفوا في عرفات بين جبال موقفًا تشهد الفطرة فيه أنه عن إيمان من الواقفين في امتثال لأمر الآمر به، ثم دفعوا إلى منى لرمي الجمرات، وقصد البيت للطواف والسعي مشعرين بكل ذلك أنه لمحض الإيمان بشارع ذلك سبحانه، ومختارين له على تحسين عقولهم وتقبيحها، وإن كان في إحرام الحاج عند ورودهم إلى أول المواقيت من مضيق يشبه دركاء الملك، فيحرمون من هناك خالعين عنهم أثواب الحياة، داخلين في لبس الأكفان بعد الاغتسال الذي يشبه اغتسال الميت، ضاجين بالتلبية كأنهم مجيبين إبراهيم؛ إذ ينادى في الناس بالحج، فلو مثل الإنسان نفسه أنه في مكان كوكب من السماء على مقدار ظهر الكعبة ينظر إلى الحاج كلهم حين أحرموا، يقصدون البلد الحرام محرمين صائحين بالتلبية من سائر نواحيه لرأى تمثالًا عجيبًا، وهذا كله دليل صريح واضح على أنه إيمان كله.