إذا ألبس الأرض كسوتها، وازينت في حللها، وأندب ثمارها من أكمامها، وأوجدت عجائب صنع الله سبحانه وتعالى ما بين ألوانها وطعومها وأراييحها ذائعا لها حتى إذا أنس من أربابها، وتوهموا استمرار دوامها، سلط عليها سبحانه وتعالى من انقضاء آجالها، ونفض أوراقها، واقشعرارها وذهابها، حتى تبدلت الأرض من خضرتها بالغبرة، وتعرت القضبان من أوراقها بالتجريد عنها فيما تدركه المشاهدة، أرسل عليها سبحانه من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وكانت على حالة من يبعث بعد موته.

فهذا بعث في كل يوم وليلة، وهذا بعث في كل شهر، وهذا بعث في كل عام.

* ولقد كنت يومًا جالسًا بالديوان، فحضر عندي قارئ فقرأ سورة الدخان من أولها إلى آخرها، وكان يحضر في جماعة، فيهم من كنت ربما ارتبت بحاله في دينه، فلما أتى القارئ على قوله سبحانه: {إن هؤلاء ليقولون (34) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (35) فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (36) أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين (37) وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} لمحت من القوم أو خفت أن يعرض عليهم ظن غير صالح من كونهم إن الجواب الذي أجيبوا به عن قولهم: {فأتوا بآبائنا (79/ أ) إن كنتم صادقين} من قوله سبحانه: {أهم خير أم قوم تبع} إن هذا ليس بالجواب المقنع، فقلت لهم في الحال: لا تظنوا أن الله سبحانه إذا ذكر لنا شبهة خصم ثم أتبعها بجواب منه سبحانه، إلا أن جوابه سبحانه هو الجواب المقنع الكافي المغني؛ لأن الله سبحانه أنزل كتابه هاديًا مرشدًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015