الزنجبيل في المنظر، سوى أن القلقاس أكبر، وتجد في طعمه حدّةً ولذعا، وأقول عن حدس صناعي مبدؤه المشاهدة والسماع أنّ القلقاس زنجبيلٌ مصريٌّ أكسبته الأرض رطوبةً فقلَّت حرارته وحدّته، كما أن الزنجبيل الزِّنجيّ والهنديّ أقوى وأحدّ من اليمنيّ، وأهل اليمن يطبخون به كما يطبخ المصريون القلقاس، لكن لا يُستكثر منه جدا، ولقد سألتُ جماعةَ التّجار وأرباب المعرفة عن منبته باليمن وشكله، فكلّهم زعم أنه كالقلقاس، غير أن القلقاس أكبر وكذلك ورقه أكبر من ورق الزنجبيل وقد شاهدته إذا يبس، لا فرق بينه وبين الزنجبيل في الصورة مع حدة، ولذعٍ يسير،
وقال له آخر أن نبات الزنجبيل يشبهُ نباتَ البصل، مع أنّ القلقاس يكون في تلك البلاد وكأنه بستاني، وقال عليّ بن رضوان: القلقاس أسرع الأغذية استحالة إلى السوداء، وقال غيره من أطباء مصر أن القلقاس يزيد في الباءة، وفي كلٍّ نظرٍ لا يليق بهذا الكتاب.
ومن ذلك الموز وهو كثير باليمن والهند ورأيته بالغور وبدمشق مجلوبا، وكونه من فراخ تظهر من أصل شجرته كما تظهر الفِسلان من النخلة، وتسمى المثمرة الأم، فإذا أُخذت ثمرتها قطِعت هي أيضا وخلفها أكبر نباتها وترتفع قامته إلى قامتين وكأنها نخلة لطيفة، وزعموا أنَّ شجر الموز في الأصل مركب من قلقاس ونوى النخل تجعل النواة في جوف القلقاسة وتغرس، وهذا القول وإن كان ساذجا من دليل يشهد له فالحس يسوغه، وذلك أنه تجد لشجرته سعفا كسعف النخل سواء، إلّا أنك ينبغي أن تتخيل الخوص اتصل بعضه ببعض، حتى صار كأنه ثوب حرير أخضر قد نشر أوراقه خضرا ترفُّ ريا وطراءة، وكأنَّ الرطوبة اكتسبها من القلقاس والشكل اكتسبه من النخل، وأنت تعلم أن تشقق سعف النخل إلى الخوص إنما كان من قبل اليبس الغالب على مزاج النخل، ولكثرة رطوبة الموز بقي سعفه متصل الخوص ولم يتشقق، فعلى هذا يكون القلقاس له بمنزلة الماء، والنّخل بمنزلة الصورة، وأنت إذا تأمّلت خشب الموزِ وورقه بعد يبسه ألفيت به تلك الشظايا والخيوط التي تجدها في جذع النخل وسعفه، إلّا أنك تجدها مشوبة برطوبة قد ألحَمَت بينها، وملأت فُرَجَها وإن كان القلقاس لا ينفكُّ من ذلك أيضا ويتبيّنه آكله مقلوّا، وأمّا الثمر فأنك تراه أعذاقا كأعذاق النخل قد تحمل شجرته خمسمائة موزة فصاعدا، ويكون في منتهى العِذق موزة تسمى الأم ليس فيها لحم ولا تؤكل، وإذا شققت وجدت مؤلفة من قشور كالبصل كل قشرين منها متقابلان يحتوي كل واحدٍ منهما على نصفها طولا وتحت كلِّ قشرٍ عند القاعدة
زهرٌ أبيض بقدرِ الفستق أو كزهر النارنج عدده إحدى عشرة في صفين لا ينقص عن هذا العدد ولا يزيد إلّا واحدا نادرا، فهذا القشر بمنزلة كفري الطّلع، والزهر بمنزلة الطلع نفسه وتنشق هذه القشور من تلقاء أنفسها على التدريج الأعلى فالأعلى، فيظهر ذلك الزهر أبيض بمنزلة البلح وفيه رطوبة حلوة فيتساقط وتعقد عنه الموزة صغيرة فإذا أخَذت في النموّ قليلا انشق قشرٌ آخر على الرسم، ولا يزال كذلك حتّى ينتهي العِذق، وتجد قشر الموزة كقِشر الرطبة، إلّا أنه غليظ جدا بما اكتسبه من مادة القلقاس، ولحمها حلو فيه تفاهة كأنّه رطب مع خبز فالحلاوة له من الرطب والتفاهة من القلقاس، وأما شكلها ففي شكل الرطبة، إلّا أنها بقدر الخيارة الكبيرة تميل إلى الصفرة والبياض فالصفرة من الرطب والبياض من القلقاس، وحيث ما يقطع يكون شديد الخضرة جدا لا يصلح للأكل فإذا دفن أيّاما اصفر وصلح للأكل، ثم أنك تجده شحمة واحدة ليس فيها نوى ولا ما يُرمي سوى القشر فقط بل تراه كأنه قطعة خبيص ناعم المضغ يُستَرطُ بسهولة، وإذا أنت تأمّلته في ضياء، ألفيت في وسطه حبّا كثيراً أصفر من الخردل، يضرب إلى السواد والشقرة شبيه بحب التين، لكنه في غاية اللين فهذا كأنّه رسم نوى الرطب، إلّا أنه لزيادة رطوبته لانَ وتفرّق واختلط باللحم، وإن ساغَ معه في الأكل، وله رائحة عطرة لا بأس بها فيها خمرة ما، والجشأ العارض لأكله بعد أخذه في الهضم طيب الرائحة، وهو حارٌّ رطب، ورطوبته أزيد من حرارته وكأنه حار في الأول رطب في الثانية يزيد في الماء ويدر البول ويحدث نفجا، ولا يبعد في طبعه هذا عن الرطب إلّا بكثرة رطوبته التي اكتسبها من القلقاس، فهذا إن كان من تركيب الصناعة فقد صدق الخبر الخبر، وإن كان من تركيب الطبيعة فإن لها أيضا تركيبات عجيبة متقنة من أصناف الحيوان والنبات، فتكون الموز من جملتها، وقال أبو حنيفة: الموز معادَته عُمان وتنبت الموزة نبات البردية لها
عنفرة غليظة وورقة عريضة نحو ثلاث أذرع في ذراعين ليست بمنخرطةٍ على نبات السعف لكن شبه المربعة، وترتفع الموزة قامة باسطة ولا تزال فراخها تنبت حولها واحدة أصغر من الأخرى، فإذا أجْرت وذلك إدراك موزها، قُطعت الأمّ حينئذٍ من أصلها، وتؤخد قِنوها ويطلع أكبر فراخها فيصير هو الأم