ذكرها، فوجدته على ما حكيت ليس فيه مفصلٌ ولا درز، ومن شأن الدروز الخفية والمفاصل الوثيقة إذا تقادم عليها الزمان أن تظهر وتتفرّق وهذا الفك الأسفل لا يوجد في جميع أحواله إلّا قطعة واحدة.
وأما العجز مع العجب ذكر جالينوس أنه مؤلَّفٌ من ستَّةِ أعظم ووجدته أنا عظما واحدا واعتبرته بكلّ وجهٍ من الاعتبار فوجدته عظما واحدا، ثم أني اعتبرته في جثة أخرى فوجدته ستة أعظم كما قال جالينوس وكذلك وجدته في سائر الجثث على ما قال إلّا في جُثَّتين فقط فإنِّي وجدته فيهما عظما واحدا وهو في الجميع موثّق المفاصل ولست واثقاً بذلك كما أنا واثق باتّحاد الفك الأسفل.
ثم أننا دخلنا مصر فرأينا منها دروباً وأسواقا عظيمةً كانت مغتصَّة بالزحام، والجميع خالٍ ليس فيه حيوانٌ إلّا عابر سبيل في بعض الأحايين، وأن المارّ فيها ليستوحش ومع ذلك، فقلما ينفكُّ قطر منها عن جثَّةٍ وعظامٍ متفرقة حتى خرجنا إلى موضعٍ يسمّى إسكرجة فرعون، فرأينا الأقطار كلها مغتصّة بالجثث والرِّمم وغلبت على الآكام بحيث جلَّلتها وكادت تغلب على ترابها ورأينا في هذه الإسكرجة وهي وهدة عظيمة حينما أشرفناعليها الجماجم بيضا وسودا، ووجدنا بعضها على بعض طبقات، وقد أخفى كثرتها وتراكمها سائر العظام حتى كأنها رءوسٌ لم يكن معها أبدان، يشبِّهها من ينظُرُها ببطيٍخ قد قُطع وجُمع حتى صار كالبيدر، ثم رأيتها بعد أيام وقد عرقتها الشمس وابيضَّت فشبهتها ببيضِ النعام المتراكم.
ووجدتُ في ذي الحجة بمصر امرأةً ذَبحت صبيّا لتأكُله، فأُخذت وغرِّقت وقد
ارتفعت هذه الحال وانقطع خبرها ومشاهدتها لم يوجد سوى هذه المرأة، ومن عجيب الكائنات في هذه المدّة أن مولودا في سبع وتسعين وُلد برأسين وولد مولودٌ آخر أبيض الشعر، ورأيته وليس هو كبياض الشيب، بل يحيل إلى صهويّة ما،