السنة الخالية، ولم يزل في زيادة ضعيفة إلى ثامن ذي القعدة وهو السابع عشر من مسرى فزاد إصبعا ثم وقف ثلاثة أيام، فأيقنَ الناس بالبلاء واستسلموا للهلَكة ثم أخذ في زيادات قوية أكثرها ذراع إلى ثالث ذي الحجّة وهو السادس من توت فبلغ خمس عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا ثم أنحطَّ من يومه وأنهزم على فوره ومسَّ بعض البلاد محلة القسم فكأنما زارها طيف خياله في الحلم.
وإنّما انتفع به ما كان من البلاد مطمئنّا فأروى المنخفضات كالغربية ونحوها، غير أن القُرى خالية من فلاح أو حرّاث أصلاً فهم كما قال الله تعالى: [فأصبحوا لا يرى إلّا مساكنهم]، وإنما أرباب الحِراث يجمعون شذاذهم ويلتقطون أفرادهم، وقد عزَّ الحرَّاث والبقرُ جدّا حتى يُباع الثور الواحد بسبعين دينارا والهزيل بدون ذلك، وكثير من البلاد ينحسر عنه الماء بغير حقِّه ولغير وقته، إذ ليس لها من يمسك الماء ويحبسه فيها فتبور لذلك مع ريّه، اوكثير ممّا روي يبور لعجزِ أهله عن تقاويه والقيام عليه، وكثير ممّا زُرع أكلته الدودة وكثيرٌ مما سلِم منها ضوي وعطب.
ونهاية سِعر القمح في هذه السنة خمسة دنانير، وأما بقوص والإسكندرية فبلغ ستة دنانير.
ومِن الله سبحانه يُرجى الفرج وهو المتيحُ للخير بمنِّه وجوده.
الفصل الثالث في
حوادث سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
ودخلت هذه السنة والأحوال التي شرحناها في السنة الخالية على ذلك النظام أو في تزايد، إلى زهاء نصفها فتناقص موت الفقراء لقلَّتهم لا لارتفاع السبب الموجب وتناقصَ أكلُ بني آدم ثم أنقطع خبره أصلا.
وقلَّ خطف الأطعمة من الأسواق وذلك لفناء الصعاليك وقلَّتهم مِن المدينة، وانحطّت الأسعارُ حتى عاد الأردب بثلاثة دنانير لقلة الآكلين لا لكثرة المأكول، وصفت المدينة بأهلها، واختصرت واختصر جميع ما فيها على تلك النسبة وألِفَ الناس البلاء واستمروا على البلاء حتى عاد ذلك كأنه مزاج طبيعي.