مضايقَ الطرق استرابَ وامتنعَ عنها وشنّع عليها فتركت درهميها، وأما الثالث فإنّ رجلاً استصحبه إلى مريضه في الشارع بزعمه، وجعل في أثناء الطريق يصدف بالكسر ويقول اليوم يُغتنم الثوابُ ويتضاعفُ الأجرُ ولمثل هذا فليعمل العاملون، ثم كثر حتّى ارتاب منه الطبيب ومع ذلك فحسن الظن بقلبه وقوة الطمع تجذبه، حتى أدخله داراً خرِبة فزاد استشعاره وتوقّف في الدرج وسبق الرجل فاستفتح، فخرج اليه رفيقه يقول له: هل مع إبطائك حصل صيد ينفع، فخرج الطبيب لما سمع ذلك، وألقى نفسه إلى إصطبل من طاقة صادفها السعادة فقام إليه صاحب الإصطبل يسأله عن قضيته فأخفاها عنه خوفا منه أيضا، فقال: قد علمت حالك فإنّ أهل هذا المنزل يذبحون الناس بالحيل.
ووجد بأطفيح عند عطار، عدة خوابي مملوءة بلحم الآدميّ وعليه الماء والملح فسألوه عن علة اتخاذه والاستكثار منه، فقال: خِفت إذا دام الجدب أن يهزل الناس
وكان جماعاتٌ من الفقراء قد آووا إلى الجيزة وتستّروا ببيوت طين، يتصيّدون فيها الناس وفطن لهم وطلب قتلهم فهربوا، ووَجد في بيوتهم من عظام بني آدم شيء كثير، وخبرني الثقة الذي وجد في بيوتهم أربعمائة جمجمة.
ومما شاع وسُمع من لفظ الوالي أن امرأة أتته سافرةً مذعورةً تذكر أنها قابِلة، وأنّ قوماً استدعوها وقدّموا لها صحنا فيه سكباج مُحكم الصّنعة مكمَّل التوابل فألْفَته كثير اللحم، مبايناً اللّحمَ المعهود، فتقززت منه ثم وجدت خلوة ببنت صغيرة فسألتها عن اللحم، فقالت أنها فلانةً السمينة دخلت لتزورنا فذبحها أبي وها هي معلقة إرباً، فقامت القابلة إلى الخزانة فوجدتها أنابير لحمٍ فلمّا قصّت على الوالي القصة أرسل معها من هجَم الدار وأخذ من فيها وهرب صاحب المنزل ثم صانع عن نفسه في خُفية بثلثمائة دينار ليحقن بذلك دمه.
ومن غريب ما حدث من ذلك، أن امرأةً ذات مالٍ ويسار كانت حاملا وزوجها غائب في الخدمة وكان يجاورها صعاليك، فشَّمت عندهم رائحة طبخ فطلبت منه كما هي عادة الحبالى فالفته لذيذا فاستزادتهم، فزعموا أنه نفذ فسألتهم عن كيفية عمله فأسروا إليها أنه لحم بني آدم فواطأتهم على أن يتصيَّدوا لها الصغار وتُجزلُ لهم العطاء فلما تكرَّر ذلك منها فضرِيَت وغلَبت عليها الطِّباع السبعية، وشى بها جواريها خوفاً منها،