وستون ذراعا. وأرى هذا القياس خطأ، ولو جعل العمود أربعمائة ذراع، لصح قياسه، وإن ساعدت المقادير تولَّيت قياسه بنفسي، وفي أحد هذين الهرمين مدخلٌ يلِجه الناس يُفضي بهم إلى مسالك ضيقة، وأسراب متنافذة، وآبارٍ ومهالك وغير ذلك مما يحكيه من يلجه ويتوغله، فإنّ ناسا كثيرين لهم غرام به وتخيل فيه، فيوغلون في أعماقه ولا بد أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه، وأما المسلوك فيه المطروق كثيرا فزلاقه تُفضي إلى أعلاه، فيوجد فيه بيتٌ مربّعٌ فيه ناووس من حجر، وهذا المدخل ليس هو المتخذ له في أصل البناء وإنما هو منقوب نقبا صُودف اتفاقا، وذُكر أنَّ المأمون هو الذي فتحه، وجلّ من كان معنا ولجوا فيه وصعدوا إلى البيت الذي في أعلاه فلما نزلوا، حدثوا بعظيم ما شاهدوا وأنّه مملوءٌ بالخفافيش وأبوالها حتى يكاد يمنع السالك ويعظم فيها الخفاش حتى
يكون في قدر الحمام وفيه طبقات، وروازنه نحو أعلاه وكأنها جعلت مسالك للريح ومنافذ للضوء، وولجته مرة أخرى مع جماعة وبلغت نحو ثلثي المسافة فأغمى علي من هول المطلع فرجعت برمق.
وهذه الأهرام مبنية بحجارة جافية يكون طول الحجر منها ما بين عشر أذرع إلى عشرين ذراعا وسمكه ما بين ذراعين إلى ثلاث وعرضه نحو ذلك، والعجيب في وضع الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا تجد بينهما مدخل إبرة ولا خلّل شعرة، وبينهما طين كأنه الورقة لا أدري ما صفته ولا ما هو، وعلى تلك الحجارات كتابات بالقلم القديم المجهول الذي لم أجد بديار مصر، من يزعم أنه سمع بمن يعرفه، وهذه الكتابات كثيرة جداً حتى لو نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف، لكانت زهاء عشرة آلاف صحيفة، وقرأت في بعض كتب الصابئة القديمة أن أحد هذين الهرمين هو قبر عاذيمون، والآخر قبر هرميس ويزعمون أنهما نبيان عظيمان، وأن (عاذيمون) أقدم وأعظم.
وأنه كان يحج إليهما ويهوى نحوهما من أقطار الأرض، وقد وسعنا القول في المنقول من الكتاب الكبير فمن أراه التوسعة فعليه، فإنّ هذا الكتاب مقصور على المشاهد.
وكأن الملك العزيز عثمان بن يوسف لما استقل بعد أبيه، سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام فبدأ بالصغير الأحمر وهو ثالثة الأثافي.