كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهو أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة، والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين؛ وذلك لأن الاشتراك في البلد وصف اختصا به في بلد الغربة، بل لو اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر من غيرهما.
وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص، فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ نعم إن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان. قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} 1.
فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً، فمن واد الكفار فليس بمؤمن2. والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة فتكون محرمة3.
ومن هنا يتضح أن أمر الشارع الحكيم بمخالفة الكفار في الهدي الظاهر، كان لحكم جليلة منها: