وَإِذا أنعم الله تَعَالَى على وليه بذلك الْإِدْرَاك الْمعبر عَنهُ بِالرُّؤْيَةِ خلق لَهُ من اللَّذَّة مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر فَإِن أنْكرت أَن يرى مَا لَيْسَ بجسم وَلَا لون فلتنكر أَن يعلم مَوْجُودا لَيْسَ بجسم وَلَا عرض وَإِن زعمت أَن الرُّؤْيَة غير جَائِزَة عقلا فقد جهلت مُوسَى حَيْثُ سَأَلَ الله مَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ فَكيف جهل مُوسَى من وصف الله مَا علمه جَاهِل مثلك

وَأما استشهادك بِحَدِيث نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام على رُؤْيَة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام فَأَنت مَمْنُوع مِنْهُ لاعراضك عَنهُ وَهُوَ من عمدنا على إِثْبَات رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الدَّار الْآخِرَة لكوننا عَالمين بِحقِّهِ وَدَلِيل صدقه

ثمَّ إِنَّك نقلت ذَلِك الحَدِيث فأجحفت وبالمعنى أخللت وَإِنَّمَا صَوَابه إِنَّكُم ترَوْنَ ربكُم وَلَا تضاهون فِي رُؤْيَته إِلَّا كَمَا تضاهون فِي رُؤِيَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَهَذَا لَا حجَّة لَك فِيهِ فَأَنا نقُول إِن الله تَعَالَى هُوَ المرئى لَا غَيره بالأبصار فِي الدَّار الْآخِرَة على مَا تقدم وَأَنْتُم تَقولُونَ إِن المرئى الْوَاسِطَة وَهَذَا الحَدِيث يعرف مَعَانِيه أَهله وهم الَّذين يصدقون برسالة من هُوَ قَوْله فَلَا تطمع فِي مَعْرفَته فَإنَّك لست أَهلا لداريته

وَأما قَوْلك لم تنكرون أَن يكون الْمَسِيح الَّذِي كَانَ واسطا للوعظ أَن يكون هُوَ الْمقبل مَعَ الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ عَنهُ قرآنكم {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} فَكيف لَا ننكر ذَلِك وَلم يدل على وُقُوعه دَلِيل عقل وَلَا صَحِيح نقل وَلَيْسَ معنى الْإِتْيَان فِي هَذِه الْآيَة إِلَّا كالمجيء فِي الْآيَة الْمُتَقَدّمَة وَكِلَاهُمَا لَيْسَ المُرَاد بِهِ الْمَجِيء الَّذِي هُوَ نقل الْأَقْدَام بل الْمَجِيء والإتيان لَهما معَان أخر يعرفهَا الْعَرَب الْمُؤْمِنُونَ

وَهَذِه الْآيَة فِيهَا مَحْذُوف تفسره آيَة أُخْرَى تَقْدِيره هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم أَمر الله كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي أَمر رَبك} فقد ذكر فِي هَذِه الْآيَة مَا حذف هُنَالك وَهَذَا على الْمَعْرُوف فِي لِسَان الْعَرَب من حذف الْمُضَاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015