فلست لَهَا فَمَا شَأْنك وَإِيَّاهَا أَنْت لَا تعرف لِسَان من خُوطِبَ بهَا وَلَا تعرف مضمونها فَكيف يمكنك الإستدلال بهَا والتطواف حولهَا وَأَنت عرى عَن الشَّرْط الَّذِي بِهِ يعرف مَعْنَاهَا وَيفهم فحواها وَلَيْسَ مفهومها عِنْد من خُوطِبَ بهَا من الْعَرَب الفصحاء البلغاء على شَيْء مِمَّا ذكرت وَلَا يقرب مِمَّا توهمت بل مَعْنَاهَا عِنْدهم لَا تخَالفه الْعُقُول وَلَا يخرج عَن أسلوب لِسَان الْعَرَب الْمَنْقُول وَإِنَّمَا أكره أَن أشافهك بِهِ لِأَنَّك فَاقِد شَرطه فَإِن كنت مِمَّن ينور الله بصيرته وَيحسن سَرِيرَته شرعت فِي أَن تتعلم وَيجب علينا أَن نفهمك حَتَّى إِن شَاءَ الله تفهم
وَأما قَوْلك فِي الْإِنْجِيل يقْعد ابْن الْإِنْسَان فِي مجْلِس عَظمته وَتقدم جَمِيع الْأُمَم بَين يَدَيْهِ ويميزهم كَمَا يُمَيّز الرَّاعِي الْغنم فَنَقُول آمنا بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَمَعَ ذَلِك فنعلم على الْقطع والثباب أَن كل أمة تدعى يَوْم الْقِيَامَة بإمامها وتنادي بمعبودها وأنبيائها فَيتبع كل من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع كل من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت
وَإِذا كَانَ ذَلِك فَلَا بُد لعيسى أَن يجمع لَهُ كلا من لزمَه اتِّبَاع شَرعه فَحِينَئِذٍ يميزهم كَمَا يُمَيّز الرَّاعِي الْغنم فَمن آمن بِهِ وانتبه على النَّحْو الَّذِي رسم لَهُ فَهُوَ من الفائزين وَمن اعْتقد فِيهِ أَنه إِلَه أَو ابْن إِلَه فَالنَّار مَأْوَاه بعد أَن يتبرأ عِيسَى من دَعْوَاهُ
وَأما قَوْلك وَإِذا أوجبتم أَن الله لَا مفطور وَلَا مدرك بحاسة فقد وَجب أَن المحاسب المسموع مدرك بالحواس فَهَذَا لَا يلْزم مِنْهُ شَيْء مِمَّا ذكرت فَأَنا إِذا قُلْنَا أَن الله تَعَالَى لَيْسَ مدْركا بالحواس فَإِنَّمَا نُرِيد بِهِ أَن الله لَيْسَ مدْركا بالحواس كَمَا تدْرك الْأَجْسَام والألوان فَيكون محاطا بِهِ فَيكون ذَا حُدُود وأقطار وَذَلِكَ محَال
وَإِذا قُلْنَا إِن الله تَعَالَى يرى فِي الدَّار الْآخِرَة إِنَّمَا نُرِيد بِهِ أَن الله تَعَالَى يخلق لنا إدراكا آخر لَا تناسب حَاله حَالَة إِدْرَاك الْأَجْسَام وَلَا الألوان فَإِن الإدراكات مُخْتَلفَة باخْتلَاف متعلقاتها وَذَلِكَ إِدْرَاك خَاص لَهُ حكم نَفسه لم يذقْ مِنْهُ ذوقا فِي هَذِه الدَّار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكرم الله بِهِ أولياءه وأصفياءه يَوْم الْقِيَامَة