وَقد بَينا ذَلِك بمستنده للشارع وَلَا نعدل عَنهُ طرفَة عين بل نقف عِنْد مَا أَمر وننتهي عَمَّا نَهَانَا وَيعرف ذَلِك على التَّفْصِيل أَهله وَمن وقف عَلَيْهِ من الْعُقَلَاء المنصفين
وَأما مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي تضمنها شرعنا فَلَا تخفى على متأمل
وَذَلِكَ أَن شرعنا أمرنَا بهَا ظَاهرا وَبَاطنا ونهانا عَن رذائلها وسفسافها فَمن المكارم الظَّاهِرَة النَّظَافَة وَالطَّهَارَة والتنزه عَن الأقذار والأوساخ فَمن النَّظَافَة تَطْهِير الثِّيَاب والأبدان فَإِنَّهَا يَنْبَغِي أَن تنزه عَن الأقذار مثل الْبَوْل وَالْغَائِط والمنى والمذى وَالدَّم والقيح وَمَا شاكل ذَلِك
وَمن النَّظَافَة أَيْضا التَّطَيُّب وتحسين الْهَيْئَة فالطيب لَا يخفى على عَاقل اسْتِعْمَاله وَكَذَلِكَ تَحْسِين الْهَيْئَة وَمن تَحْسِين الْهَيْئَة قصّ الشَّارِب وإعفاء اللِّحْيَة فَقص الشَّارِب لتتأتى النَّظَافَة فِي الْأكل إِذْ لَا تتأتى مَعَ طوله إِذْ يدْخل الشّعْر فِي الْفَم وينغص الْأكل ويقذره
هَذَا مَعَ مَا يلْحق الشَّارِب من قذارة المخاط إِذْ كَانَ الشَّارِب كَبِيرا وَمَعَ ذَلِك فَلَا يحلق عندنَا كُله ويمحق رسمه فَإِن ذَلِك مثله وتشويه وَكَذَلِكَ اللحي إِذا حلقت فَيَنْبَغِي أَن توفر توفيرا لَا يخل بمروءة الْإِنْسَان وَلَا يخرج عَن عَادَة النَّاس وَخير الْأُمُور أوساطها
وَأما حلق اللِّحْيَة فتشويه ومثلة لَا يَنْبَغِي لعاقل أَن يَفْعَلهَا بِنَفسِهِ
وَالْعجب من جهل النَّصَارَى بالشرائع وَبِمَا يستحسنه ذووا المروءات فَإِنَّهُم يحلقون لحاهم ويشوهون أنفسهم ويوفرون غلوفتهم الَّتِي يَنْبَغِي أَن تزَال لما فِي إِزَالَتهَا من الْفَوَائِد على مَا ذكرنَا من النَّظَافَة الْمَأْمُور بهَا تقليم الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة وَغسل البراجم والمغابن بِالْمَاءِ وَهَذَا كُله من شرعنا مُبَالغَة فِي النَّظَافَة ومحافظة على مَكَارِم الْأَخْلَاق وعَلى عَادَة ذَوي الْعُقُول والمروءات
وَأما التَّنَزُّه عَن الأقذار فَإِنَّهُ حرم علينا الْخَبَائِث من الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير والأنجاس كلهَا على مَا تَقْتَضِيه عَادَة الْعُقَلَاء والمروءات وأمرنا بِأَكْل الطَّيِّبَات وإستعمال المستحسنات ونهانا عَن السَّرف والتبذير