فَإِن ظَاهر هَذَا مستبشع فِي الْعرف محَال فِي الْعقل أما استبشاعه فِي الْعرف فَإِنَّهُ يقبح بِالْعَبدِ أَن يُخَاطب سَيّده بِلَفْظ الْأُبُوَّة
هَذَا مَعَ أَن معنى الْأُبُوَّة جَائِز فِي حقوقنا فَكيف لَا يقبح إِطْلَاقه فِي حق من لَا تجوز الْأُبُوَّة فِي حَقه فإطلاق مثل هَذِه اللَّفْظ فِي حق الله تَعَالَى يَنْبَغِي أَلا يجوز وَلَا يُطلق وَأما إحالته فِي الْعقل فَإِن ظَاهر قوكم فِي السَّمَاء يفهم مِنْهُ أَن السَّمَاء مُحِيط بِهِ وَإِن جَازَ ذَلِك جَازَ أَن يكون جسما وَأَنْتُم تأبون ذَلِك وَهُوَ محَال فِي حَقه تبَارك وَتَعَالَى
وَكَذَلِكَ قَوْلكُم فِي بَقِيَّة هَذَا الدُّعَاء
وَعجل لنا خبزنا الدَّائِم واغفر لنا كَمَا يغْفر بَعْضنَا لبَعض فَإِنَّهُ لفظ مستثقل مستقبح وَمَعْنَاهُ مستغث مسترك وَلَوْلَا خوف التَّطْوِيل لأبدينا مَا يحْتَمل ذَلِك من قَبِيح التَّأْوِيل
فَإِن قُلْتُمْ هَكَذَا علمنَا عِيسَى فِي الْإِنْجِيل فَقَالَ لنا إِذا صليتم فَقولُوا قُلْنَا لَا نسلم أَن هَذَا مِمَّا علمه عِيسَى وَلَا مِمَّا جَاءَ بِهِ بل هُوَ إختراع من لَا يحسن مَا يَقُول وَلَيْسَ لَهُ إِلَى المعارف وُصُول
وَقد تقدم أَن كتابكُمْ قَابل للتحريف والتصحيف فَهَذَا الَّذِي ذكرنَا يُنَبه على الْمصَالح الأخروية وَأما الْمصَالح الدُّنْيَوِيَّة فقد بَينا أَن مَقْصُود شرعنا حفظ الْأَدْيَان والنفوس وَالْأَمْوَال والأنساب والأعراض والعقول وَلأَجل ذَلِك شرع الْقَتْل والديات والعقوبات وَحرم السّرقَة والخيانة وَجَمِيع وُجُوه أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَحرم الزِّنَا وَفعل اللوطى وَغير ذَلِك من الْفَوَاحِش
وَكَذَلِكَ حرم الْغَيْبَة والنميمة وَالْقَذْف والبهتان والزور وَجَمِيع أَصْنَاف الْكَذِب والغش وَالْخداع وَالْمَكْر إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الْمَفَاسِد
وَلأَجل ذَلِك أَيْضا حرم الْخمر فَإِنَّهَا تذْهب الْعقل الَّذِي هُوَ منَاط التَّكْلِيف وَبِه يعرف الْبَارِي تبَارك وَتَعَالَى وَالسكر آفَة تناقضه وتضاده فَهَذِهِ الْأُمُور كلهَا مَحْفُوظَة بالحدود والزواجر المشاكلة للعقوبات الثَّابِتَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا بِالْكتاب وَإِمَّا بِالسنةِ وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا مَوْضُوعا بالتشهي والتحكم كَمَا فَعلْتُمْ أَنْتُم