وَهَذَا الْمِثَال الْأَخير هُوَ مثالكم مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّكُم تدعون تَعْظِيمه وتخالفونه فِي أَفعاله وتزيدون عَلَيْهِ فِي أَحْكَامه فَأنْتم مستحقون لتوبيخه وعقاب مرسله ومتجمعكم مَعَ من شرع لكم هَذِه الْأَحْكَام نَار حامية تسمى الهاوية
قَالَ حَفْص اعْلَم أَن الَّذِي أردْت مَعْرفَته من خبر القربان وَشَرحه
أَن الْأَنْبِيَاء وَبني إِسْرَائِيل كَانُوا يقربون القربان على مَا تحكيه التَّوْرَاة العجول والجزر والخرفان فَأَما ملكي صَادِق فَإِنَّهُ أول من قرب القربان من الْخبز وَالْخمر وَكَانَ قسيس الله فِي البدء وَإِلَيْهِ أدّى إِبْرَاهِيم العشرات الْمَفْرُوضَة وَقد حكى دَاوُود النَّبِي فِي الزبُور خبر ملكي صَادِق إِذْ بشر بالمسيح سيدنَا وأنزله مَنْزِلَته وأحله مَحَله وَجعله قسا إِلَى الْأَبَد فَقَالَ الرب أقسم يَمِينا وَلَيْسَ ينْدَم أَنْت أبدا قسيس لي فِي خطة القسيسين على رُتْبَة ملكي صَادِق فَأَما الحواريون وأتباعهم فَإِنَّهُم فرضوا هَذَا القربان الَّذِي يقدسه الأساقفة والقساوس على المذبح من الْخمر وَالْخبْز على مَا تقدم من فعل ملكي صَادِق وكما قَالَ الْمَسِيح فِي الْإِنْجِيل من أكل لحمي وَشرب دمي كَانَ فِي وَكنت فِيهِ وَأما الْخبز النَّازِل من السَّمَاء فَمن أكلني يحيا بِي
أنظر مَا أعجب حَال هَؤُلَاءِ فِي تَركهم شَرْعِيَّة التَّوْرَاة فِي القربان وعدولهم عَنْهَا الى مَا هُوَ ضرب من الهذيان وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى افْترض القربان فِي التَّوْرَاة بالعجول والجزر والخرفان كَمَا ذكر وعملت بذلك بَنو إِسْرَائِيل من غير تَغْيِير وَلَا تَبْدِيل إِلَى مُدَّة هَؤُلَاءِ المغيرين لأحكام التَّوْرَاة فغيروا وبدلوا وَعدلُوا إِلَى الْخبز وَالْخمر من غير أَن ينْسَخ لَهُم عِيسَى شَيْئا من ذَلِك وَلَا بدله بِغَيْرِهِ لكِنهمْ يكْرهُونَ الْعَمَل بِأَحْكَام التَّوْرَاة فيعدلون عَنْهَا إِلَى الْعَمَل بأهوائهم