الْفَوَاحِش على أَنفسكُم وصعبتموها على غَيْركُمْ فحكمتم على الأسقف الَّذِي يعبث بِأَن يبعد فَقَط وعَلى غَيرهم بِأَن يبعدوا وينكلوا ويجلدوا إِذا فعلوا تِلْكَ الْفَاحِشَة وَلَو عكستم ذَلِك لَكَانَ أشبه فَإِن التغليط على الأقسة مُنَاسِب لحالهم فَإِن الْمعاصِي تقبح فِي حَقهم أَكثر مِمَّا تقبح فِي حق غَيرهم فَإِن من كَلَام النُّبُوَّة أَن من أَشد النَّاس عذَابا عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ وَمن كَلَام الْحُكَمَاء حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين ثمَّ هَذَا الْمَعْنى مَعْلُوم من عَادَة الْمُلُوك فَإِنَّهُم يعاقبون وزراءهم والوقافين على رؤوسهم ويؤاخذونهم على أُمُور لَا يحسن مِنْهُم أَن يؤاخذوا بهَا سائس الدَّوَابّ بل لكل مقَام مقَال وَلكُل عمل رجال وَكَيف لَا تقبح الْمعاصِي فِي حق الأقسة والأساقفة وهم قد نزلُوا أنفسهم منزلَة الْأَنْبِيَاء حَيْثُ شرعوا الشَّرَائِع وتحكموا بوضعها بل تنزلوا منزلَة الْمُكَلف الغافر الَّذِي لَهُ الْخلق وَالْأَمر
فَإِنَّهُم قد قَالُوا للعوام إِن غفراننا لكم غفران الله وحرماننا لكم حرمَان الله فَإِذا أعطينا نَحن القربان فقد قبله الله وَإِذا لم نعطه لم يقبله الله وَإِذا غفرنا نَحن الذَّنب فقد غفره الله فَإِن غركم الشَّيْطَان وَقد فعل بِأَن تَقولُوا إِن لنا لأجل القسيسية منزلَة وحظوة فاتركوا الْعَمَل بشريعتكم لأجل مالكم عِنْد الله من الْفضل وَلَا تحرموا على أَنفسكُم شَيْئا من الْفَوَاحِش وَقد سمعنَا هَذَا النَّوْع عَن بعض أقسة أرغون فَعَلَيْهِم لعنة الله ولعنة اللاعنين ثمَّ نقُول لَهُم يَا معشر الأساقفة الْجَاهِلين والقسيسين المتحكمين من أَنْتُم حَتَّى تَكُونُوا شارعين أأنتم عِقَاب رب الْعَالمين أحصلتم على رِضَاهُ أَجْمَعِينَ بل يَنْبَغِي أَن تتحققوا أَنكُمْ فِي الْعَذَاب خَالدُونَ حَيْثُ كَفرْتُمْ برسالة سيد الْمُرْسلين مَعَ مَا دلّت عَلَيْهَا من الشواهد والبراهين فَلَقَد صدق الله وَهُوَ أصدق الْقَائِلين حَيْثُ قَالَ مخبرا عَن الْأَخْبَار والقسيسين {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير}