أطبقت النَّصَارَى على اخْتِلَاف فرقهم على القَوْل بالمعمودية وصفتها عِنْدهم
أَن الَّذِي يُرِيد أَن يدْخل فِي دينهم أَو التائب مِنْهُ تتقدم الأقسة مِنْهُ فيمنعونه من اللَّحْم وَالْخمر أَيَّامًا ثمَّ يعلمونه إعتقادهم وَإِيمَانهمْ فَإِذا تعلم ذَلِك اجْتمع لَهُ القسيسون فَتكلم بعقيدة إِيمَانهم أمامهم ثمَّ يغطسونه فِي مَاء يغمروه وَقد اخْتلفُوا هَل يغطسونه مرّة وَاحِدَة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَإِذا هُوَ خرج من ذَلِك المَاء دعى لَهُ الأسقف بِالْبركَةِ وَوضع يَده على رَأسه
هَكَذَا كَانَت صفة معموديتهم قَدِيما فِي الأندلس وَأما الْيَوْم فلعلهم قد غيروا بعض أَحْكَامهَا وَرُبمَا اخْتلفُوا فِي بعض تِلْكَ الْأَحْوَال وَهِي عِنْدهم عبَادَة مُؤَكدَة وَقَاعِدَة ممهدة وَمن لم يقبلهَا عِنْدهم فَهُوَ كَافِر وَلَيْسَ لَهُ من ذنُوبه غَافِر
وَقد كتب الأسقف ليون إِلَى أساقفة صقليه رِسَالَة ذكر لَهُم فِيهَا أَمر المعمودية وفضيلتها فَقَالَ المعمودية هِيَ إماتة الذُّنُوب وقتلها وَتَأْويل الغطسات الثَّلَاث مكث الْمَسِيح فِي قَبره ثَلَاث أَيَّام وَالْخُرُوج عَن المَاء هُوَ الْخُرُوج عَن الْقَبْر
وَمِنْهُم من تَأَول فِي هَذِه الغطسات الثَّلَاث أَنه التَّثْلِيث الَّذِي يَعْتَقِدُونَ
وَهَذَا التعميد لم يجر لَهُ فِي التَّوْرَاة ذكر وَلم يشرع الله قطّ لمُوسَى لَكِن كتب النَّصَارَى فِي الْإِنْجِيل ان يحيى عمد عِيسَى بوادي الْأُرْدُن فَخرج مِنْهُ روح الْقُدس كالحمامة على المَاء وَزَعَمت النَّصَارَى أَيْضا أَن عِيسَى قَالَ للحواريين إِذا مررتم بالأجناس فعمدوهم على اسْم الآب والإبن وَالروح الْقُدس وَزَعَمُوا أَن بيطر عمد ثَلَاثَة آلَاف رجل فِي يَوْم نيقشتان
وَهَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدهم ظَاهِرَة الْمُسْتَند قَوِيَّة الْمُعْتَمد فَإِنَّهُم قد أسندوا نقلهَا إِلَى الْأَنْبِيَاء والحواريين كَمَا تقدم وَلَكنَّا مَعَ ذَلِك