يُسمى الدّين الْملك وَقد جَاءَ فِي التَّوْرَاة حَيْثُ قَالَ الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم الْمُلُوك من صلبك يخرجُون وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْأَنْبِيَاء وَأهل الدّين وَلم يرد بذلك الْأُمَرَاء فَقَط
وعَلى هَذَا التَّأْوِيل تحاجكم الْيَهُود وَيَقُولُونَ لكم هَذَا ديننَا بَاقٍ لم يَنْقَطِع فَإنَّا نُقِيم التَّوْرَاة وأحكامها فَلم يَأْتِ بعد الْمَسِيح وَهَذَا التَّأْوِيل فِي هَذَا الْموضع أسوغ مِمَّا تأولتم بِهِ أَنْتُم أَحْكَام التَّوْرَاة
فَإِن أنكرتم هَذَا التَّأْوِيل أَنْكَرُوا تأويلكم وخطؤوكم وشهدوا عَلَيْكُم أَنكُمْ غيرتم كتاب الله وحرفتموه
هَذَا مَا جنى عَلَيْكُم تأويلكم إِذْ قد شَكَكْتُمْ فِي مسيحكم فَفِي مثلكُمْ يضْرب الْمثل يداك أوكتا وفوك نفخ
وَلَو شِئْنَا لأبدينا لكم من التأويلات وأريناكم من المناقضات أَكثر من هَذَا لفعلنَا وَلَكِن منعنَا من ذَلِك من ذَلِك مَا قدمنَا وَلَا يَصح أَن يَقُول قَائِل مِنْهُم إِن تَحْرِيم هَذِه الْمُحرمَات كلهَا الَّتِي تثبت فِي التَّوْرَاة نسخ بقول عِيسَى فِي الْإِنْجِيل لَيْسَ ينجس الْمَرْء مَا يدْخل فَاه وَإِنَّمَا يُنجسهُ مَا يخرج من فِيهِ لأَنا نقُول قَول عِيسَى هَذَا إِذا سلم مَفْهُومه نفى التَّنْجِيس لَا نفى التَّحْرِيم إِذْ هما حكمان متغايران مُخْتَلِفَانِ فَإِن الحكم بِتَحْرِيم هَذِه الْمَذْكُورَات إِنَّمَا يرجع إِلَى منع أكلهَا ثمَّ يجوز أَن تتَنَاوَل بِالْأَخْذِ والإعطاء وأنواع من التَّصَرُّفَات كَمَا نقُول فِي الْحمار الأهلي والبغل فَإِنَّهُ يحرم علينا أكله وَيحل لنا تصريفه فِي أَنْوَاع من الْمَنَافِع غير الْأكل وَالْحكم بالتنجيس إِنَّمَا يرجع لمنع التَّنَاوُل مُطلقًا أعنى يمْتَنع فِيهِ الْأكل وَالتَّصَرُّف
هَذَا إِذا كَانَ ذَلِك النَّجس مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهِ مُطلقًا فَإِن حكم بِنَجَاسَتِهِ فِي حَال دون حَال كَانَ ذَلِك وَصَحَّ أَن يُقَال عَلَيْهِ أَيْضا نجس مِثَال ذَلِك أَن مُحكم الشَّرَائِع بِأَن الْعذرَة يحرم علينا أَن نصلي بهَا فَلَا يجوز أَن نصلي بهَا وَلَا نحملها فِي تِلْكَ الْحَال وَيجوز لنا أَن نتناولها ونحملها فِي غير حَال الصَّلَاة فقد بَان الْفرق مَا بَين