حكى أَن الْأَصْمَعِي سمع جَارِيَة من الْعَرَب فتعجب من فصاحتها فَقَالَت وَهل بعد قَول الله تَعَالَى فصاحة حَيْثُ قَالَ {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم وَلَا تخافي وَلَا تحزني إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين} فَإِنَّهُ جمع فِي آيَة وَاحِدَة بَين أَمريْن ونهيين وخبرين وبشارتين
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر وَأعْرض عَن الْمُشْركين} حكى أَن أَعْرَابِيًا لما سَمعهَا سجد فَقيل لَهُ لم سجدت فَقَالَ سجدت لفصاحته وَلَا يظنّ الْجَاهِل أَنا نستدل على فَصَاحَته بِكَلَام هَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب كلا لَو كَانَ ذَلِك لكَانَتْ الْحجَّة أَضْعَف من السراب بل نعلم أَنه معجز بفصاحته علم ضَرُورَة تحصل لنا عِنْد سَمَاعه وقراءته والبلغاء إِذا وقفُوا عَلَيْهِ وسمعوه لذَلِك الْعلم مضطرون بِحَيْثُ لَا يرتابون وَلَا يَشكونَ
كَيفَ والعربي الفصيح إِذا سمع قَوْله تَعَالَى {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} وَقَوله تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم} وَقَوله تَعَالَى {وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي وغيض المَاء وَقضي الْأَمر واستوت على الجودي وَقيل بعدا للْقَوْم الظَّالِمين} وَقَوله تَعَالَى {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصبا وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض وَمِنْهُم من أغرقنا وَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} وَمثل هَذَا كثير قضى من هَذِه البلاغة والجزالة ومتانة هَذِه الْمعَانِي الْعجب وَعلم أَن مثل هَذَا لَا يقدر عَلَيْهِ أحد من الْعَجم وَلَا من الْعَرَب