ثمَّ الَّذِي يفضى مِنْهُ الْعجب أَنكُمْ تعتقدون النُّبُوَّة لِمَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَلَيْسَ لنبوتها فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل ذكر يدل على نبوتها وَلَا فِي كتب الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين على زمَان الْمَسِيح ثمَّ تنكرون نبوة هَاجر وتذمونها مَعَ أَنه قد جَاءَت نبوتها ومدحها فِي التَّوْرَاة صَرِيحًا وَهَذَا كُله مِمَّا يدل على جهلكم وَقلة توفيقكم وأنكم تتحكمون فِي الشَّرَائِع الآلهيه بأوهامكم
وَاعْلَم كَيفَ قطع الله ورث إِسْمَاعِيل وَأمه فِي قَوْله لَا يرثك هَذَا اسْكُتْ يَا جهول فلست تعرف مَا تَقول فَمَا كَانَ أجمل بك أَن لَو سترت عارك وَلم تبد عوارك كَيفَ تتحكم بِمَا لَا تعرف وَلَا تفهم هَا أَنْت قد حرفت لفظ التَّوْرَاة وغيرته وَلَيْسَ كَمَا ذكرته كذبتك من أم الْحُوَيْرِث قبلهَا
وَإِنَّمَا لفظ التَّوْرَاة أَن سارة قَالَت لإِبْرَاهِيم أخرج هَذِه الْأمة وإبنها لِأَن هَذَا ابْن الْأمة لَا يَرث مَعَ إبني إِسْحَق فشق هَذَا الْأَمر على إِبْرَاهِيم لمَكَان إبنه فَأَيْنَ هَذَا من النَّص الَّذِي ذكرت فَيظْهر لي أَنَّك لَهُ اختلقت
وَهَذَا الَّذِي ذكره الله فِي التَّوْرَاة بزعمكم إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن قَول سارة وَلَيْسَ حِكَايَة عَن الله وَلَو سلمنَا أَنه حِكَايَة عَن الله لما كَانَ فِيهِ دَلِيل على مَا زعمت وَهُوَ أَن الله تَعَالَى لم يَجْعَل النُّبُوَّة فِي نسل إِسْمَاعِيل وَأَن الله قطعهَا عَنهُ بل مَفْهُومه وَظَاهره أَن الَّذِي مَنعه الله لإسماعيل إِنَّمَا هُوَ مِيرَاث فِي إِبْرَاهِيم وَهُوَ حَظه فِي مَاله وَأَعْطَاهُ إِسْحَق وَهَذَا السِّرّ نجيب يعز من يتَنَبَّه لأمثاله وَلَو كنت لَهُ محلا وَأهلا لذكرناه لَك فلسنا مِمَّن يعلق الدّرّ فِي أَعْنَاق الْخَنَازِير وَكَذَلِكَ فِي كَون إِسْمَاعِيل مخلوقا من نُطْفَة إِبْرَاهِيم فِي رحم هَاجر مَعَ كَونهَا أمة وَقد كَانَ الله تَعَالَى قَادِرًا على أَن يخلقه فِي رحم حرَّة
وَكَذَلِكَ لأي معنى أخرجت هَاجر على تِلْكَ الْحَال حَتَّى اسْتَقَرَّتْ هَاجر مَعَ إِسْمَاعِيل بِمَكَّة وَهَذِه كلهَا أسرار مَعْلُومَة عِنْد من نور الله بصيرته وَحسن سَرِيرَته وَأصْلح عقيدته وَنِيَّته فَإِن كنت تُرِيدُ