وَهَذَا الْكَلَام يبشر بل يفصح ويخبر بنبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن إِسْمَاعِيل لم يقل الله تَعَالَى فِيهِ يَده على كل يَد وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته إِلَّا لأجل حفيده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله تَعَالَى قد بَعثه بدعوة جَمِيع الْخلق إِلَى الله بني إِسْرَائِيل وَمن دونهم وَمن فَوْقهم فَكل من بلغته دَعوته وَجب عَلَيْهِ الدُّخُول فِي دينه
ثمَّ إِن الله تَعَالَى قد أظهره على الدّين كُله وَلَو كره الْكَافِرُونَ وَهَذَا كُله وَفَاء بوعد الله تَعَالَى لنَبيه إِبْرَاهِيم حَيْثُ قَالَ فِي التَّوْرَاة وَقد استجبت لَك فِي إِسْمَاعِيل وباركته وكثرته وأنميته جدا جدا يُولد لَهُ إثني عشر عَظِيما وأجعله رَئِيسا عَظِيما بشعب عَظِيم
فَانْظُر أَيهَا الْعَاقِل كَيفَ قَالَ الله فِي إِسْمَاعِيل يَده على كل وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته وَلم يقل مثل هَذَا فِي إِسْحَق وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ يكون رَئِيسا على شعوب كَثِيرَة وملوك الشعوب من نَسْله وَبَين الْكَلَامَيْنِ فرق ظَاهر عِنْد الْعَاقِل الْفَهم الْمنصف وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِسْمَاعِيل باركته وكثرته وأنميته جدا جدا وَلم يقل مثل هَذَا القَوْل فِي إِسْحَق وَإِن كَانَ قد قَالَ فِيهِ أباركه وَأثبت عهدي لَهُ وَهَذَا الَّذِي وعد الله بِهِ إِسْحَق وعد بِهِ إِسْمَاعِيل وَزَاد زِيَادَة عَظِيمَة يعرفهَا من مساق كَلَام التَّوْرَاة من كَانَ عَارِفًا بمجاري كَلَام الله تَعَالَى فِيهَا وَكَانَ مَعَ ذَلِك عَاقِلا منصفا
وسننبه على سر تَحت قَوْله جدا جدا فِي الْقسم الثَّانِي من هَذَا الْبَاب
فَأَما هَاجر فقد جَاءَ فِي التَّوْرَاة ة فِي حَقّهَا مَا لم يجِئ فِي حق سارة وَذَلِكَ أَن ملاك الرب كلمها عَن الله وأبلغها أمره مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فَإِذن هِيَ نبية أَو صديقَة وَفِي أَي مَوضِع من التَّوْرَاة جَاءَ أَن سارة نبية وَأَن اله أرسل إِلَيْهَا ملكا ليبلغها أمره وَنَهْيه كَمَا فعل بهاجر
وَلَا شكّ أَن من آتَاهُ الله النُّبُوَّة هُوَ أفضل مِمَّن لم يؤته إِيَّاهَا وَلَا يظنّ الْجَاهِل أَن هَذَا الْكَلَام غض من منصب سارة رَضِي الله عَنْهَا بل هِيَ صديقَة مباركة وكل لَهُ مقَام مَعْلُوم وَالْحق أَحَق أَن يتبع