وَأما مَا عابه أَيْضا من أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تحل إِلَّا بعد زوج فَذَلِك أَيْضا لَهُ معنى مَعْقُول مُنَاسِب وَذَلِكَ أَن الطَّلَاق وَإِن كَانَ الله قد أَبَاحَهُ لنا فَهُوَ من قبيل الْمَكْرُوه من غير سَبَب من حَيْثُ التقاطع والتدابر المنهى عَنْهُمَا وَلأَجل هَذَا قَالَ نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق فَأطلق عَلَيْهِ لفظ البغض مشعرا بِالْكَرَاهَةِ وَأطلق لفظ الْحَلَال مشعرا بِجَوَازِهِ فَحصل لنا من مَفْهُومه أَنه يجوز على كَرَاهَة

فَإِذا تقرر أَنه مَكْرُوه من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَلا يفعل ثمَّ إِن فعل وَلَا بُد مِنْهُ فَلَا يكثر مِنْهُ ثمَّ إِن كثر مِنْهُ فَلَا يُزَاد على الْمَرَّتَيْنِ فَإِن تعداهما عُوقِبَ بِأَنَّهُ لَا تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج فَكَانَت الْحِكْمَة فِي ذَلِك أَن الزَّوْج إِذا علم أَنه إِذا أَكثر من هَذَا الْمَكْرُوه الَّذِي هُوَ الطَّلَاق عُوقِبَ بتفويت زَوجته عَلَيْهِ وتملكها غَيره امْتنع من تَكْثِير الْمَكْرُوه الَّذِي هُوَ الطَّلَاق ثمَّ لَا يظنّ الْجَاهِل بِنَا أننا نجبر الزَّوْج الثَّانِي على طَلاقهَا حَتَّى يرجع إِلَيْهَا الأول حاشى لله وَإِنَّمَا الزَّوْج الثَّانِي يملك مِنْهَا مَا يملكهُ الأول فَإِن شَاءَ طَلقهَا وَإِن شَاءَ أمْسكهَا

ثمَّ إِن طَلقهَا اعْتدت مِنْهُ وَجَاز للْأولِ أَن يَتَزَوَّجهَا تزويجا مستأنفا إِن شَاءَ وَلَا يجوز عندنَا أَن يَتَزَوَّجهَا الثَّانِي ليحللها للزَّوْج الأول فَإِن فعل كَانَ نِكَاحه فَاسِدا وَهُوَ الَّذِي نُسَمِّيه الْمُحَلّل وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ

فَإِن سَمَّاهُ مسم تَيْسًا فعلى جِهَة الذَّم لفعله

فَإِذا تقرر هَذَا الْمَعْنى الَّذِي لَا يمنعهُ الْعقل وَلَا تنافيه مَكَارِم الْأَخْلَاق بل هُوَ على منهاجها وعَلى سنتها فَكيف يَنْبَغِي لعاقل منصف غير متواقح وَلَا متعسف أَن يتقول علينا أَنا نقُول لَا يحل لزَوجهَا مراجعتها إِلَّا أَن تزنى وَلَو كنت يَا هَذَا من أهل الْعقل الَّذين تبرأوا عَن السَّفه وَالْجهل لما كنت تشبه نِكَاحا على وفْق شَرِيعَة صَحِيحَة بِحَسب دلَالَة أدلتها القاطعة مَعَ أَن هَذَا النِّكَاح وَقع بولى وَمهر وشهود وإعلان بِنِكَاح الزِّنَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ولى وَلَا مهر وَلَا شُهُود وَلَا إعلان وَإِنَّمَا يَقع الزِّنَا مُخَالفا للشرائع عريا عَن الشُّهُود وَالْوَلِيّ مَسْتُورا فَهَذَا تَشْبِيه يدل على عناد وتمويه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015