سمعنَا فلَانا وَكَذَلِكَ وَجب على مُوسَى لما سمع صَوت الله أَن يَقُول سَمِعت الله قيل لَهُم فقد أقررتم أَن الصَّوْت من فعل الله كَمَا أَن صَوت الْإِنْسَان من فعل الْإِنْسَان ولستم تقدرون أَن تَقولُوا إِذا سَمِعْتُمْ صَوت رجل سمعنَا صَوت المريد كَذَلِك الصَّوْت الَّذِي ابتدأه وخاطب بِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَقولُونَ سمعنَا صَوت فلَان وَسَمعنَا فلَانا إِذْ سَمِعْتُمْ صَوته وَكَذَلِكَ من سمع صَوت الله وَجب أَن يَقُول سمعنَا الله لإن الله خلق الصَّوْت وَجعله حِجَابا لإرادته الَّتِي أظهرها فِيهِ فقد ثَبت أَن النَّاس لَا يسمعُونَ الرب إِلَّا بِصَوْت مَخْلُوق على مَا يُشبههُ تعارفهم يكون حِجَابا فِيمَا بَينه وَبينهمْ
وَالْوَاجِب عَلَيْهِم أَن يخاطبوا الصَّوْت باسم الَّذِي الصَّوْت لَهُ كَمَا أَن الصَّوْت إِنَّمَا خاطبهم عَن الله وَمثل ذَلِك يلْزمهُم فِي كل مَا يشبه التَّحْدِيد مِمَّا وَقع فِي كتب الْملَل الثَّلَاثَة من التَّشْبِيه بالعالم وَوصف نَفسه بِالْعينِ وَالْوَجْه والفم وَلَا يُمكن جَحده فقد رضى أَن ينْسب إِلَى نَفسه مثل كَلَامهم وَأَن يخاطبهم فِي مثل لغتهم فقد ثَبت أَنه أَتَّخِذ التَّشْبِيه حِجَابا بَينه وَبَين خلقه
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك كلَاما مَعْنَاهُ كَمَا جَازَ أَن يتَّخذ صَوتا ويجعله حِجَابا لإرادته حَتَّى أظهرها فِيهِ كَذَلِك يجوز أَن يكون قَادِرًا على إتخاذ أَي صُورَة شَاءَ وَأَن يظْهر لِعِبَادِهِ فِي أَي حلية وافقته وَتلك الصُّورَة ملك لَهُ يبدلها كَيفَ شَاءَ لأَنا إِن قُلْنَا أَنه لَا يقدر أَن يسمع عباده صَوتا وَلَا أَن يظْهر لَهُم بِصُورَة فقد أزلنا عَنهُ الْقُدْرَة على كل شَيْء
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك فَعلمنَا أَن الْحجاب مَخْلُوق وَعلمنَا أَن الله خَالق كل شَيْء وَوَجَب علينا إنزاله من الْإِكْرَام بِحَيْثُ أنزلهُ الله المحتجب بِهِ لِأَنَّهُ مَتى لم ننزل كل شَيْء على مَا أنزلهُ عَلَيْهِ فقد عصينا لأَنا لَا نجد بدا من أَن نكرم الْمَلَائِكَة مَالا نكرم الشَّيَاطِين ونكرم الصَّالِحين مَالا نكرم الْفجار وَهَكَذَا فَلَا بُد أَن يكون شَيْء أعز من شَيْء وَشَيْء أقرب إِلَى الله من شَيْء حَتَّى يكَاد شَيْء فِي الْعِزّ أَن يتَّصل بخالقه وَيكون أعز الْأَشْيَاء ويكاد شَيْء أَيْضا أَن يكون فِي الهوان بِحَيْثُ لَا يكون شَيْء تَحْتَهُ