فِي حِكَايَة مَذْهَب أعشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين
نذْكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل كَلَام هَذَا الْمَذْكُور الْوَاقِع لَهُ فِي مصحف الْعَالم الْكَائِن ونحكي أَلْفَاظه من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان إِلَّا أَنِّي اختصر من كَلَامه مَالا تَدْعُو ضَرُورَة سِيَاق الْكَلَام إِلَيْهِ من غير إخلال بِلَفْظِهِ وَلَا تَقْصِير فِي مَعْنَاهُ وَرُبمَا قدمت وأخرت وَإِنَّمَا خصصته بالْكلَام مَعَه فِي فصل مُفْرد لغرضين
أَحدهمَا أَن هَذَا السَّائِل على مذْهبه عول وإياه قلد وَمن كِتَابه نقل إِلَّا أَنه مَعَ ذَلِك أخل بِمَفْهُوم كَلَامه وَخَالفهُ فِي سِيَاقه ونظامه فَرُبمَا ترك مذْهبه بِسوء نظره وَهُوَ يظنّ أَنه يمشي على أَثَره وسيتبين ذَلِك
وَالثَّانِي أَن النَّصَارَى معولون على مَعْرفَته ومقلدون لَهُ فِي قومته وقعدته على أَنه أعرف بمسالك النّظر وأجرأهم على مناهج العبر لَكِن نَعُوذ بِاللَّه من عين عوراء وفطنة بتراء
قَالَ أغشتين قد أَجمعت الْملَّة على أَن الله تَعَالَى قد كلم مُوسَى تكليما وَاجْتمعت على أَن مُوسَى سمع صَوتا يَقُول لَهُ أَنا رَبك فأخبرونا أتؤمنون بِأَن الصَّوْت الَّذِي سَمعه مُوسَى هُوَ ذَات الرب وَأَن الرب فِي ذَاته مسموع أم تَقولُونَ إِن الرب أسمع مُوسَى صَوتا على مَا يَشَاء من رفع وخفض وغلظة ورقة وَأَنه ابْتَدَأَ الصَّوْت مَتى شَاءَ وقطعه مَتى شَاءَ وأنهى إِلَى مُوسَى من إِرَادَته مَا شَاءَ فَإِن قَالُوا إِن الصَّوْت نَفسه هُوَ الرب وَأَن الرب مدرك بِالسَّمْعِ فقد خَرجُوا عَن مَذْهَبهم فِي نفى التَّشْبِيه وَإِن قَالُوا إِن الصَّوْت من فعل الله وَأَن الله خلق الصَّوْت على مَا وَافقه وَأظْهر فِيهِ من إِرَادَته مَا شَاءَ وَأَن الصَّوْت قد كَانَ لَهُ مُبْتَدأ ومنتهى وَأَن الله الْخَالِق لَهُ لَا مُبْتَدأ لَهُ وَلَا مُنْتَهى قيل لَهُم فقد ثَبت أَن الصَّوْت الَّذِي سَمعه كَانَ مخلوقا فَكيف جَازَ لمُوسَى أَن يَقُول سَمِعت الله فَإِن قَالُوا مقَام الصَّوْت من الله مقَام صَوت الْإِنْسَان من الْإِنْسَان وَأَنا نسْمع صَوت إِنْسَان فَنَقُول