وإذا تقرر لك حكم: يا كافر بما لم تجده في كتاب، وعلمت أن ما ذكره الشيخان فيه نقلاً عن المتولي هو الحق الذي لا محيد عنه، وأن كلام جمع من الأصحاب صريح في كفر قائله مطلقاً، وأن ما مرّ من عبارة الأذكار وشرح مسلم وغيرهما لا يخالفه، وظهر لك أن ما أفتيت به في: يا عديم الدين حق ظاهر لا يسع أحداً إنكاره، وأن من أنكره فقد أنكر على هؤلاء الأئمة الذين هم آباؤنا في الدين، لكِنْ المعترضون عليّ لا يحترمون أحداً من المتأخرين ولا من المتقدمين، فلي بهم أسوة ولله الحمد على ذلك.
فمن قال لآخر: يا عديم الدين، نقول له: ما الذي أردته بذلك؟ فإن قال: أردت أن ما هو عليه من الدين لا يسمى ديناً، قلنا له: قد كفرت، فإن لم تسلم، وإلا ضربنا عنقك، وإن قال: أردت أنه لا دين له في المعاملات ونحوها، قلنا: لا كفر عليك، لكن عليك التعزير الشديد اللائق بك، وإن قال: لا نية لي، قلنا له: فهل تعتقد أنه يحل لك أن تقول له ذلك؟ فإن قال: نعم، قلنا له: كفرت إن كان ذلك مما لا يخفى عليك بناء على ما مرّ، وإن قال: لا أستحل ذلك أو كان ممن تخفى عليه ذلك قلنا: عليك التعزير لأنك ارتكبت معصية ليست كفراً، وإلى هذا التفصيل كله المستفاد مما قررته في يا كافر أشرت بقولي في الجواب السابق: بل ربما يكون قوله: يا عديم الدين كفراً.
وإذا تمهّدت حقيقة ما أجبت به، فلترجع إلى رد كلام المعترضين، وهو لركاكته وكونه بالخيال أشبه غَنِيٌّ عن الرد، لكن في ضمن رده فوائد، فأما قول من قال: هذا الإفتاء كفر لاقتضائه أن قائل هذا اللفظ يكفر مطلقاً وليس كذلك، ومن كفَّر مسلماً فقد كفر، فيُردّ عليه بأمور:
منها: أن دعواه اقتضاء قولي: ربما إلى آخره الكفر مطلقاً مجازفة وجهل بمدلولات الألفاظ، فإن مدلول "ربما" أنه له حالة يكون فيها كفراً، وحالة لا تكون