وقوله "غضباً" راجع إلى جميع ما بعد كذا، والكفر حينئذ واضح؛ لأن قوله: سمعت هذا كثيراً مع الغضب يدل بطريق التصريح أو قريب منه على الاستخفاف بالذكر، ولا شك أن الاستخفاف به من حيث هو ذكر كفر.
وشرط الكفر بالبسملة على الحرام أن يقصد الاستخفاف بها، كما علم مما مرّ وبقوله في الغناء: هذا ذكر إن قصد أنه مثله من كل وجه استخفافا بالذكر، فإن أطلق أو قصد أن بينهما مشابهة ما لم يتجه الكفر حينئذ، ومسألة سماع المؤذن مرّت بما فيها لكن في هذه زيادة: أنا لا أحبه، والظاهر أن في الزيادة لا تقتضي الحكم بالكفر مطلقاً، بل لا بدَّ أن يقصد أنه لا يحبه من حيث هو ذكر، فحينئذٍ الكفر محتمل.
وقوله عند سماع ذلك الحديث: كذب، إن أعاد الضمير فيه على النبي صلى الله عليه وسلم كفر مطلقاً، وكذا لو أعاده على وجه الاستهزاء، مع علمه بأنه حديث، بخلاف ما لو أعاد الضمير على المتكلم، أو أعاد إلى لفظ الحديث على وجه الاستبعاد لجهله المعذور به فإنه لا يكفر.
وقد وقع قريباً أن أميراً بنى بيتاً عظيماً فدخله بعض المجازفين من أهل مكة فقال: قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ) وأنا أقول: وتشد الرحال إلى هذا البيت أيضاً، وقد سئلت عن ذلك. والذي يتحرر فيه أنه بالنسبة لقواعد الحنفية والمالكية وتشديداتهم يكفر بذلك عندهم مطلقاً، وأما بالنسبة لقواعدنا وما عرف من كلام أئمتنا السابق واللاحق، فظاهر هذا اللفظ استدراك على حصره صلى الله عليه وسلم وإنه ساخر به وأنه شرع شرعاً آخر غير ما شرعه نبينا صلى الله عليه وسلم وأنه ألحق هذا البيت بتلك المساجد الثلاثة في الاختصاص على بقية المساجد بهذه المزية العظيمة التي هي التقرب إلى الله تعالى بشد الرحال إليها، وكل واحد من