ولم تزل في يد الملك المغيث يوسف ابن الملك المغيث إلى أن توفى في المحرم سنة ثلاثين وستمائة، في حصن كيفا فصارت في يد الأشرف الملك موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب.
ولم تزل في يده إلى أن مات، وملك الملك الصالح إسماعيل دمشق فأعطاها فيما أعطى من البلاد للفرنج، فعمروها وحصنوها.
وبقيت بأيديهم إلى أن قصدها الملك الناصر صلاح الدين صاحب حلب سنة إحدى وخمسين وستمائة، فأخذها عنوة، ثم صالحهم على أن تكون مناصفة.
ولم تزل كذلك إلى أن ملك التتر البلاد فاستولى الفرنج عليها. وهي في أيديهم إلى عصرنا هذا.
وهي على ضفة البحر. عليها سور من حجارة ولها بمقربة منها جبل فيه معدن الحديد. ولها غيضة أشجار صنوبر تتصل بجنوبها إلى جبال لبنان، تكسيرها اثنا عشر ميلا في مثلها. وشرب أهل بيروت من الآبار.
وهي فرضة لدمشق، لم تزل في يد من يلي دمشق إلى أن عصى " الفتح " مولى مرتضى الدولة أبي نصر منصور بن لؤلؤ صاحب حلب على مولاه بقلعة حلب، ودعا بشعار الحاكم، وأخرجه من حلب، وسلمها لسديد الدولة أبي الحسن علي بن أحمد المعروف بالضيف في رجب سنة ستة واربعمائة، وعوضه عنها بيروت وصيدا وصور. وبقيت في يده إلى أن مات بمصر. إما في سنة ثمان أو تسع وأربعمائة.
ثم صارت إلى نواب الحاكم، واستمرت في يد من يليها من نواب المصريين إلى أن قصدها تاج الدولة تتش، وفيها والً من قبل المستنصر، فاستولى عليها، وخرجت عن أيدي المصريين إلى الترك.
ولم تزل في أيديهم إلى أن قصدها الفرنج وفيها نواب ظهير الدين فملكوها قهراً وغلبة؛ وذلك بعد قتال لم تشاهد الفرنج مثله يوم الجمعة حادي وعشرين شوال، سنة ثلاث وخمسمائة.
ولم تزل في أيديهم إلى أن قصدها الملك الناصر صلاح الدين، فنازلها، وضايقها، حتى ملكها يوم الخميس التاسع والعشرين، من جمادي الأول سنة ثلاث وثمانين. وخمسمائة ولماّ ملكها أقطعها عز الدين أسامة.
ولم تزل في يده إلى أن ملك الملك العادل، وانقضت الهدنة التي قررها صلاح الدين، فأرادوا قصد " بيروت " فسبقهم إليها جيش الملك العادل يريد خرابها فمنعه أسامة، وتكفل بحفظها من الفرنج.
ورحل الفرنج عن " عكا " إلى " صيدا "، وعاد عسكر المسلمين من بيروت فالتقوا بالفرنج تاسع ذي الحجة سنةثلاث وتسعين وخمسمائة، فاستظهر الفرنج عليهم، وساروا إلى بيروت فأخذوها عفواً صفواً بغير قتال.
وما زالت في أيديهم إلى عصرنا الموضوع فيه هذا الكتاب.
وهي مدينة عظيمة لها سور من حجر منيع. ولها رساتيق وضياع جليلة. وأرضها غورية كثيرة قصب السكر. والبحر يأخذها من ثلاث جهات لها. وينضاف إليها عدة حصون.
وكانت تضاهي دمشق في البساتين، فقطع أشجارها السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس صاحب الديار المصرية عند نزوله عليها - وسنذكره - طولها سبعون درجة ونصف، وعرضها أربع وثلاثون درجة.
قال البلاذري: " لما استخلفت عثمان وولي معاوية الشام وجه معاوية سفيان بن مجيب الأزدي إلى أطرابلس وهي ثلاث مدن مجتمعة. فبنى في مرج على أميال منها حصنا يسمى " حصن سفيان ". وقطع المادة عن أهلها من البحر وغيره، وحاصرهم. فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة، وكتبوا إلى الملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى ما قبلهُ. فوجه إليهم مراكب كثيرة فركبوها ليلاً وهربوا. فلما أصبح سفيان وكان كل ليلة يبيت في حصنه ثم يغدو على العدو فوجد الحصن الذي كانوا فيه خالياً. فكتب بالفتح المبين إلى معاوية فأسكنه جماعة كثيرة من اليهود. وهو الذي فيه الميناء اليوم ".
وقال البلاذري: " وكان معاويه يوجّه في كل عام إلى أطرابلس جماعة كثيفة من الجند يشحنها بها، ويوليها عاملاً، فإذا انغلق البحر قفل العسكر، وبقي العامل في جُمَيعَةٍ يسيرة.