وملك الملكُ الناصر صلاح الدين يوسف دمشق في شهر ربيع الآخر من السنة، فملك " قلعة الصَّلت " وبقيت في يده إلى أن انقضت دولته في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة واستولى التتر على البلاد فقصدوها، وبها بدر الدين محمد بن الحاج الناهض أبي بكر الأتابكي، فعصى فيها أياما ثم سلّمها، فأقروه فيها.
ولما أسترجع الملك المظفر قطز البلاد من أيديهم، وكسرهم، كانت فيما استرجع، فأقر بدر الدين فيها.
ولما قُتل الملك المظفر في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، وملك مولانا السلطان الملك الظاهر قصدها، وفيها بدر الدين المذكور، فتسلمها منه في سنة تسع.
وهي في يد نوابه إلى الوقت الذي وضعنا فيه هذا التاريخ. ثم لما توفي الملك الظاهر في ثاني عشر المحرّم سنة ست وسبعين، انتقلت إلى ولده الملك السعيد ناصر الدين بن محمد ابن بركة قان، فلم تزل في يده إلى أن خرج الملك عنه لأخيه الملك العادل سيف الدين سلامش، ليلة الاثنين تاسع عشرين ربيع الآخر من سنة ثمان وسبعين.
وتسلّم تدبير الملك في الأتابكية الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي، فسيّر إليها نواب الملك العادل فاستمروا بها إلى أن جلس الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي، فسير إليها نواب الملك العادل فاستمروا بها إلى أن جلس المنصور سيف الدين قلاوون المذكور على تخت الملك يوم الثلاثاء حادي عشري شهر رجب من سنة ثمان وسبعين، فسير نوابه إليها واستمرت بيده.
وهي بين بلد السواد - من أعمال الأردن - وبين بلاد الشراة. مُحدثة صغيرة على جبل مطلّ على الغور، تُرى من القدس ومن جبال نابلس.
طولها تسع وستون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وعشر دقائق.
والجبل التي هي مبنية عليه يعرف بجبل " عوف " لأنه كان ينزله قوم من " بني عوف "، في أول ولاية الخلفاء المصريين، وكانوا أمراء أولي بأس ونجدة، يقاتل بعضهم بعضاً لتشعب قبائلهم.
ولم زالوا كذلك إلى أيام الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، فأقطع ناحيتهم الأمير عز الدين أسامة، وكان من أكابر الأمراء العادلية. فشرع في بناء قلعة يعتصم بها نوابه من عدوان بني عوف، فمنعوه، فأوهمهم أنه إنما يعمرها حراسة لهم من الفرنج، فأجابوه، وأعانوه على بنائها. فلما كملت استدعى مشايخ بني عوف إليها، ومدّ لهم سماطاً، فلما أكلوا أمر غلمانه بالقبض عليهم وحبسهم.
وقيل: إنه كان في مكانها دير قديم يسكنه نصراني اسمه " عجلون " فهدم وبقيت القلعة مكانه، فسميت باسم الراهب.
وكذلك " الباعوثة " فإنه كان مكانها دير يسكنه نصراني يسمى " الباعوثة " فُسمي باسم الراهب.
وهذا الدير مذكور في كتب الديارات. وكان بها قلض من قبل الخلفاء المصريين، وله من الأقطاع سبع وعشرون قرية، من جملتها " عمْتا " وما زال التوقيع بها في يد عقبة إلى استولى التتر على البلاد، فعدم منهم. وحدود " جبل عوف " من القبلة وادي الزّرقاء الفاصل بين بلد " عجلون " وبين بلد الصلت؛ فكل ما هو في قبليه فمن عمل " الصلت ". وكل ما هو من شماليه من عمل " عجلون " ومن الشرق ينتهي بعضه إلى بلاد تعرف " بالحبابية ". من أعمال " عجلون "، وليست من جبل عوف ولكنها داخلة في الولاية.
وتمام الحد المذكور بلاد السواد، ومن الغرب الغور، ومن الشمال بلد السواد. ولم يزال حصن " عجلون " في يد بانية عز الدين أسامة إلى أن قبضه الملك العادل. وبقي في يده إلى أن سلمه لولده الملك المعظم في سنة تسع وستمائة.
ولم يزل في يده إلى أن توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة، فانتقل إلى ولده الملك الناصر داود فكان في يده مع دمشق والكرك والشوبك.
فلما ملك الملك الكامل دمشق وسلمها للأشراف، أقرّ على الملك الناصر الكرك والشوبك، والأغوار.
وبقيت " عجلون " في يد الملك الأشراف إلى أن توفي في رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكان بنابلس ألمير ظهير الدّين بن سنقر الحلبي في خدمة الملك الناصر، فكاتب النائب المقيم بعجلون، وبذل له أربعين ألف درهماً، وخلعة، ومركوباً، وقماشا، فسلمها إلى نواب الملك الناصر صلاح الدين داود.
ولم تزل في يده ذي القعدة سنة تسع وثلاثين. وفيها استخدم الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظم الأمير سيف الدين علي بن قلج النوري، فأقطعه هذه القلعة فيما أقطعه.