ولم يزل في يده إلى أن خرج عنه، ووفد إلى حلب مستغيثاً بالملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد على الملكِ الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، فانه كان قد سيّر إلى الحصن فخر الدين بن الشيخ فحاصره، وضايقه حتى قلّت به الأقوات، فخرج عنه بهذا السبب في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين.

وترك به أولاده، وجعل ولاية عهده فيه لولده الملك الأمجد فراسله الملك الصالح، وقرّر معه أنه متى سلّم إليه الحصن عوّضه عنه خمسين ألف ديناراً وإقطاعاً بمصر، فأجابه إلى ذلك، وسيرّ إليه الملك الصَّالح جمال الدين آقوش النجيبي مملوكه، وبعث معه بدر الدين الصوابي وفوض إليه الحكم فيه، وولي كمال الدين ابن شكر النظر فيه وفي أعماله.

وكان تسليمه للملك الصالح في جمادى الأول سنة سبع وأربعين وستمائة، وحمل إليه خزانةً مقدارها ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، وولى الربض لرجل يُسمى " الهمام ".

ولم يزل في يده إلى أن توفي وملك بعده ولده الملك المعظم. ولما قتُل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة، وملك الملكُ الناصر صلاح الدّين صاحب حلب دمشق، بعث بدرُ الدين الصوابي إلى قلعة " الشويك " منْ أحضر الملك المغيث عمرَ ابن الملك العادل ابن الملك الكامل في خفية، وكان الملك الصالح قد حبسه بها، فدخل به الكرك ثالث عشر شهر ربيع الأول وأخفاه.

ثم إن رسول الملك الناصر وصل من دمشق يطلب من بدر الدّين تسليم " الكرك " فأنزله وأكرمه. وبعث إلى منْ معه في الحصن من مسحفظيه، وعرَّفهم أنه " لا ينبغي أن يخرخ الحصن عن أحد من أولاد الكامل فإنهم مواليه، وأريد منكم الموافقة على ما أردت ". فأجابوه إلى ما أراد.

فأمر بإحضار الملك " المغيث " فحضر، وحلّفهم له ثم استدعى الرسول وقال له: هذا صاحب الحصن فتحدث معه، فالتفت إليه وبلغه الرسالة، فأجابه بكلام - كان قد قرّر معه بعد أن قام وقبل الأرض - مضمونة: " أني كنت في الحبس، وقد منّ الله بإطلاقي، وليس لي ولا لمنْ بَقيَ منْ أهلي موضع ينضوون إليه، ويعتمدون في النفع عليه، والسلطان - أعز الله نصره - إذا أخذ هذا الحصن لا بدّ له من نائبٍ، والمملوك نائبه فيه، لا أصدرُ ولا أرد إلا عن رأيه ومراسمه. فلم يعارضه الملك " الناصر "، وقبل هذا القول منه وذلك في العشر الأواخر من جمادى الأولى.

ولما صار في يده من غير منازع له فيه ملك بلد " الشوبك " وبقي الحصنُ في يده إلى أن استولت التتر على دمشق في سنة ثمان وخمسين وستمائة، فانضوى إليهم وصيروا معه نائبا في الحصن.

ثم كانت هزيمة التتر على " عين جالوت " في شهر رمضان. وتولى الملك المظفر، فكتابه الملك المغيث في إبقائه على ما في يده، فأجابه إلى أن يبقى معه " الكرك " لا غير. وحل عنه ما كان الملك صلاح الدين الناصر يوسف صاحب الشام أضاف إليه من النواحي وهي: الصلت، والخليل، والبلقاء.

ثم قتل الملك المظفر في بقية السنة، وملك مولانا الملك الظاهر ركن الدّين البلاد، فحمل الملك المغيث الحسد على أن كتب إلى التتر عدة كتب، ووصلته الأجوبة على يد رسول منهم، فخاف أن ينم عليه ذلك، فسيّره تحت الحوطة إلى أبواب مولانا السلطان بالقاهرة.

فما زال السلطان يتحيل على الرسول، ويبسط أمله إلى أن اعترف له مما كاتب به الملك المغيث إلى هولاكو من حثه على النهوض إلى بلاد الشام. ثم ردَف ذلك بأن كتبه وصلتْ إلى الشهرزورية الذين كانوا تحت حرم السلطان بالقاهرة بإفسادهم، فتوجه إليه " يعقوب بن بدل " وأعمامه وأهله.

ووصلت العرب القُصاد الذين قفلوا من عند هولاكو إلى السلطان، فأوقف الفقهاء على الكتب وأخذ فتاويهم بأن قتاله يتعين.

وبرز من القاهرة سادس شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستين ووصل إلى غزة سابع عشره، فوصلت إليه عليها أم الملك المغيث، فأقبل عليها وأكرمها وردّها إلى الكرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015