أَصْبَحْتُ في جِلَّقَ حَرّانَ مِنْ ... وَجْدِ إِلَى مَرْبَعِكِ النَضْرِ
وَالعَيْنِ مِنْ شَوْقِ إِلَى العَيْنِ وَال ... فَيْضِ غَدَتْ فائِضةً تَجْرِي
ما بَرَدَى عِنْدِي وَلا دِجْلَةٌ ... وَلا مَجارِي النِيلِ مِنْ مِصْرِ
أَحْسَنُ مَرْأًى مِنْ قُوَيْقٍ إِذا ... أَقْبَلَ في المَدِّ وَفي الجَزْرِ
يا لَهْفَتا مِنْهُ عَلَى جُرْعَةٍ ... تُبَلُّ مِنْهُ غُلَّةُ الصَدْرِ
كَمْ فِيكَ مِنْ يَوْمٍ وَمِنْ لَيْلَةٍ ... مَرَّ لَنا مِنْ غُرَرِ الدَهْرِ
ما بَيْنَ بِطْياسٍ وَحَيْلانَ وَال ... مَيْدانِ وَالجَوْسَقِ وَالجِسر
وَرَوْضُ ذاكَ الجَوْهَريّ الَّذِي ... أَرْواحُهُ أَذْكَى مِنَ العِطْرِ
وَزَهْرُهُ الأَحْمَرُ مِنْ ناضِرِ ال ... ياقُوتِ والأَصْفَرُ كَالتِبْرِ
وَالنَوْرُ فِي أَجْيادِ أَغْصانِهِ ... مُنَظَّمٌ أَبْهَى مِنَ الدُرِّ
مَنازِلٌ لا زال خَلْفُ الحيا ... عَلَى رُباها دائِمُ الدَرِّ
تاللهِ لا زِلْتُ لَها ذاكِرا ... ما عِشْتُ فِي سِرِّي وَفي جَهْرِي
وَكَيْفَ يَنْساها فَتىً صِيغَ مِنْ ... تُرْبَتِها الطَيِّبَةِ النَشْرِ
وَكُلُّ يَوْمٍ مَرَّ فِي غَيْرِها ... فَغَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنَ العُمْرِ
إنْ حَنَّ لي قَلْبٌ إِلَى غَيْرِها ... فَلا غَرْوَ حَنِينُ الطَيْرِ لِلوَكْرِ
يا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَراها وَهَلْ ... يَسْمَحُ بالقُرْبِ بِها دَهْرِي
قال الأمير ركن الدين أحمد بن قرطايا: أنشدني موفّق الدين أبو القاسم ابن أبي الحديد الكاتب يتشوَّق حلب من أبيات:
وَكَيْفَ أُداوِي بِالعِراقِ مَحَبَّةً ... شامِيَّةً إنَّ الدَواءَ بَعيدُ
فعملتُ له أوّلاً وهو:
سَلامٌ عَلَى الحَيَّ الَّذي دُونَ جَوْشَنٍ ... سَلامٌ يُرِثُّ الدَهْرَ وَهُوَ جَدِيدُ
تَضُوعُ بِمَسْراه البِلادُ كَأَنَّما ... ثَراها مِنَ الكافُورِ وَهْوَ صَعِيدُ
فَليِ أَبَدًا شَوْقٌ إِلَيْهِ مُبَرِحٌ ... وَلِي كُلُّ يَوْمٍ أَنَّةٌ وَنَشِيدُ
وَكَيْفَ أُداوِي بِالعِراقِ مَحَبَّةً ... شَامِيَّةً إِنَّ الدَواءَ بَعِيدُ
ومن القصائد البديعات المستحسنات قصيدة قالها أبو محمّد عبد الرحمان بن بدر بن الحسن بن المفرّج النابُلُسيّ يذكر فيها ظاهر حلب ممّات يلي الميدان الأخضر الّذي جدّده الملك الظاهر غازي بن يوسف:
فَحَبَّذا فِي حَلَبٍ مَسارِحٌ ... لِلحُسْنِ رُوحُ الرُوحِ فِي عِيانِها
وَحَبَّذا ما تَمْرَحُ الأََعيُنُ فِي ... مُرُوجِهِ الفَيْحاءِ مِنْ مَيْدانِها
وَما اكْتَسَتْ أَقطارُهُ مِنْ حُلَلٍ ... تَنَوَّقَ الصانِعُ فِي أَلْوانِها
وَما جِرِى حَوْلَيْهِ مِنْ جَداوِلٍ ... عْيْنُ الَحياةِ الوِرْدُ مِنْ غُدْرانِها
رَحْبُ مَجالِ الَخيْلِ مُمْتَدُّ مَدَى ال ... سابِقِ فِي الَحلْبَةِ مِنْ فُرْسانِها
لا يَبْلُغُ الغايَةَ مِنْ أَقطارِهِ ... إِلاَّ فَتًى يُطْلِقُ مِنْ عِنانِها
يَشْرَحُ إِذ يُحلُّهُ صَدْرُ الفَتَى ... وَتَمْرَحُ الِجيادُ فِي أَرْسانِها
فَما لَمِلْكٍ لَذَّةٌ أَحْلَى بِهِ ... مِنْ كُرَةِ اللَعِبِ وَصَوْلَجَانِها
مُمَهَدُ البُقْعَةِ للمَجْرَي بِهِ ... مَنَزِّهُ الرُقْعَةِ عَنْ شَيْطانِها
كَأَنَّهُ بَعْضُ مُرُوجِ الجَنَّةِ ال ... فَيْحاءِ قَدْ زُحْزِحَ عَنْ رِضْوانِها
ثمّ ذكر القصر الذي بُني هناك فأضربنا عن ذكره إذ هو ليس مما نحن بصدد ذكره.
قال أبو المحاسن بن نوفل الحلبيّ:
صَبٌّ بِأنْواعِ الهُمُومِ مُوَكَّلُ ... وَأَقَلُّها لا يُستَطاعُ فَيُحْمَلُ
فَدُمُوعُهُ لا تَأْتَلي مَسْفُوحَةً ... لِوَمِيضِ بَرْقٍ أَوْ حَمامٍ يَهْدِلُ
أَوْ نَفْحَةٍ نَقَلَتْ لَهُ مِنْ جَوْشَنٍ ... وَهِضابِهِ الأَخْبارَ فِينا تَنْقُلُ
تَأْتِي وَذَيْلُ رِدائِها مِنْ ماءِ وَرْ ... دِ قُوَيْقِهِ عِطْرُ النَسِيمِ مُصَنْدَلُ