قال يحيى بن أبي طيّء: ولحقتُ باب هذا المشهد وهو باب صغير من حجر أسود عليه قنطره مكتوبُ عليها بخطّ أهل الكوفة كتابة عريضة: " عمّر هذا المشهد المبارك ابتغاء وجه الله تع وقربةً إليه على اسم مولانا المحسّن ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عم الأمير الأجل سيف الدولة أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان ".
وذكر التأريخ المتقدّم: ثمّ بعد ذلك في أيام بني مرداس بُني المصنع الشماليّ من المشهد ثمّ بُني في أيام قسيم الدولة آق سُنْقُر في سنة اثنين وثمانين وخمسمائة في ظاهر قبليّ المشهد مصنع للماء: وكُتب عليه اسمه وبُني الحائط القبليّ وكان قد وقع ووقف على المشهد رحى حندبات وفدّانين بالحاضر السليماني. وعُمل للضريح طوق وعرانيس من فضّة وجُعل عليها غشاء. ثمّ في أيام نور الدين محمود زنكي بُني في صحنه صهريج بأمره وميضأة فيها بيوت كثيرة ينتفع بها المقيمون به وهدم الرئيس صفيّ الدين طارق بن علي بن محمد البالسيّ رئيس حلب المعروف بابن الطُرَيرة بابه الّذي بناه سيف الدولة ورفعه وحسّنه. ولمّا مات الرئيس وليّ الدين أبو القاسم بن عليّ رئيس حلب وهو ابن أخي المقدّم ذكره دُفن إلى جانب المصنع ونُقض باب المصنع الّذي عليه قسيم الدولة وبُني وكُتب عليه اسمه وذلك في سنة ثلاث عشرة وستمائة.
ثمّ في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط القبليّ فأمر ببنائه. ثمّ في أيام الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر وقع الحائط الشماليّ فأمر ببنائه وعمل الروشن الدائر بقاعة الصحن. وأمّا ملك التتر مدينة حلب قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني الفضّة والبسط وأخرجوا الضريح والجدار ونقضوا أبوابه. فلمّا ملك السلطان الظاهر حلب أمر بإصلاح المشهد ورّمه وعمل بابه وجعل فيه إمام وقيّم ومؤذن.
ومنها مشهد الحسين وهو سفح جبل جَوْشَن وكان السبب في إنشائه ما حكاه يحيى بن أبي طيء في تأريخه أنّ رجلاً راعياً يُسمى عبد الله يسكن في درب المغاربة وكان يخرج كل يوم لرعي الغنم فنام في يوم الخميس العشرين من ذي القعدة سنة وسبعين وخمسمائة بعد صلاة الظهر فرأى في نومه في المكان الّذي بُني فيه المشهد كأن رجلاً أخرج نصفه من شقيف الجبل المطلّ على المكان ومدّ يده إلى أسفل الوادي وأخذ عنزاً. فقال له: يا مولاي لأي شئ أخذت هذه العنزة وليست لك؟ فقال: قُل لأعل حلب يعمّرون في هذا المكان مشهداً ويسمّونه مشهد الحسين. فقال: لا يرجعون إلي قولي. فقال: قُل لهم يحفرون هناك. ورمى بالعنزة من يده إلى المكان الّذي أشار إليه. فلما استيقظ رأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان. فجذب العنز فظهر الماء من مكان قوائمها. فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبليّ وحدّث بما رأى فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الّذي ذكره فرأوا العلامة على ما وصف الموضع الذي ظهرت فيه العين في غاية الصلابة بحيث أّنه لا تُعمل فيه المعاول وكان به معدن للنحاس قديماً فأنبطوا العين فثرّت وغزر ماؤها. ثم خطّوا في ذلك المكان المشهد المذكور وتولّى عمارته الحاجّ أبو نصر بن الطبّاخ وأخذ له الجمال يوسف بن الإكليليّ طالعاً يوم الشروع فيه فكان القمر في الأسد على تثليث المشتري وبلغني عنه أنّه قال: قد أخذتُ لهذا المشهد طالعاً لو أراد أهل حلب أن يبنوه ذهباً لما عجزوا. وكان ذلك في أيّام الملك الصالح بن الملك العادل نور الدين. فأمدّهم بإسراع وعجل وشرعوا في البناء فبنوا الحائط القبلي واطيّاً. فلمّا رأى جدّي الشيخ إبراهيم بن شدّاد بن خليفة بن شدّاد لم يرضه وزاد في بنائه من ماله. وتعاضد الناس في البناء فكان أهل الحرف يفرض كلّ واحد منهم على نفسه يوماً يعمل فيه وكذا فرض له أهل الأسواق في بياعاتهم دراهم تُصرَف في المؤن والكلف. وبنى الإيوان الذي في صدره الحاجّ أبو غانم بن شقويق من ماله. وهدم بعد ذلك بابه وكان قصراً الرئيس صفيّ الدين طارق بن عليّ البالسيّ رئيس حلب ورفع بناءه عمّا كان عليه أوّلاً وذلك في سنة خمس وثمانين وخمسمائة وفي هذه السنة انتهت عمارته.