ولما توفي شمس الملوك بآمد، ودُفن - كما ذكرنا - رأى السلطان الملك الكامل أن يخبر مصاب ولده شهاب الدين غازي، ورمى بذلك حقَّ والده، فولاه آمد، وأشرك معه شمس الدين صواب العادلي، فلم يزل بها إلى أن بلغ السلطان الملك الكامل عنه أنّه كابت صاحب الروم علاء الدين وأراد بيع آمد فنفذ إليه استدعاه إلى مصر، فحبسه بها، وولاها ولده السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب فاستقل بها، ومعه شمس الدين صواب - الحاكم بها - إلى أن دخلت سنة ثلاث وثلاثين وست مائة توفي شمس الدين صواب ودُفن بآمد، واستقل السلطان الملك الصالح بآمد وغيرها، ولم تزل في يده إلى أن خرج منها إلى الديار المصرية وملكها، فاستناب بها ولده الملك المعظم توران شاه فأقام بها إلى أن بلغه قصدُ عسكر السلطان غياث الدين آمد فخرج منها، وترك بها نوابه، فنازلها العسكر المذكور، وحاصروها وضايقوا، فلم يكن للذين بهم طاقةٌ بهم، فطلبوا منهم الأمان على نفوسهم وأموالهم، فأُجيبوا إلى ذلك وملكوها. ولم تزل بأيديهم إلى سنة خمس وخمسين وستمائة، في شهر رجب منها، قصدها الملك الكامل ناصر لدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب - صاحب ميافارقين - وكان السبب في قصده لها أنه لما عاد من عند منكوقاآن اتصل به أن ابن خبير الجار - أحد أكابر آمد - قد كاتبه بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل -، واستماله بالمواعيد، وضمن له الوفاء بها إن هو أعانه على أخذ آمد. وكان بها نواب صاحب بلاد الروم. فلما اتصل ذلك بالملك الكامل كتب إلى الملك السعيد - صاحب ماردين - يُعرِّفه بما عزم عليه بدر الدين لؤلؤ ويطلب منه إنجاده وإسعاده على قصد آمد فأجابه إلى ذلك. فبعث الملك الكامل إليها عسكرا قدَّم عليه الملك المُشمِّر - ابن عمه -، ونجم الدين مختار - مُعتَق والد - فنزل عليها في ربيع الأول وحاصرها.
واتفق أن خرج الأمير شرف الدين أحمد بن شجاع الدين داود بن بلس الهكاري المموي من الروم، ومعه عسكرٌ عظيمٌ لكشف حال آمد، فاتصل بالملك المشمر قُربهُ من البلاد، فبعث إليع رسالة على يد العماد الهكاري من مضمونها: إنّا لم نقصدُ آمد إلا لما بلغنا قصدُ بدر الدين لها، فأقم في منزلتك التي أنت بها حتى نُجمِّع عسكرنا، فإنه مفرَّقٌ في بلدها للغارات، ونرحل عنها.
فلما وصل إليه الرسولُ، واجتمع به فيما جاء به، فبيما هو مجتمعٌ به ثار قتامٌ ثم انجلى عن فارسين أحدهما الملك المشمر ومملوكٌ له يقال له العماد.
..... هذا الملك المشمر قد جاء ليسلم عليك، فركب شرف الدين بغلته وتلقاه من مدى بعيد عن عسكره، فسلم عليه وعانقه. ثم لحقَ الملك المشمر جماعةٌ من عسكره، فأحاطوا بشرف الدين وأخذوه وتواترت أصحاب الملك المشمر وقصدوا عسكر شرف الدين على غير استعداد فنهبوهم، وقتلوا منهم خلقا وانهزم الباقون.
ثم حمل شرف الدين إلى مخيمه فجُعل في خيمةٍ، فدخل عليه في الليل تركمانيٌ يُقال له ابن سمرى فقتلهُ.
ولم يزل الملك المشمر محاصرا لها إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره، وقد تقدم ذكر ذلك مُستقصي في ترجمة ميافارقين، ونزول يشموط بن هولاكو على ميافارقين وحصاره لها، وبها يومئذ اللمك الكامل ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المظفر شهاب الدين غازي صاحبها. فلم يزل التتر محاصرين لميافارقين إلى شهر ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وست مائة. " إلى أن " وصل هولاكو واستدعى بسيف الدين ذل ابن مجلي - النائب بآمد يومئذ، عن الملك الكامل فخرج إليه فطلب منه تسليم آمد فسلمها إليه فتسلمها، ثم سلمها إلى عز الدين وأخيه رُكن الدين - صاحبي بلاد الروم - فتسلماها. ثم إنهما اقتسما البلاد، فحصلت آمد في يد رُكن الدين قليج أرسلان، فلم تزل بيده إلى أن قتل في سنة ست وستين وست مائة، ونوابه بآمد مع نواب التتار.
ثم انتقلت بعد أن قُتل رُكن الدولة " إلى " ولده غياث الدين. ولم تزل بيده إلى حين وضعنا هذا الكتاب، وهو سنة تسع وتسعين وست مائة. فسبحان الدائم الذي ليس لمُلكه انتهاء، ولا لسلطانه انقضاء.
ووقفتُ على رسالة للقاضي الفاضل في صفة آمد لما افتتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب في المحرم من سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، نقلت منها فصلا، وهو: