فلما وصل إليه قدم ما معه من التحف. وانفق وصول الملك المظفر - ابن صاحب ماردين - والملك الصالح ركن الدين إسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل -، وليفون ابن هينوم - صاحب سيس - وأتهم لما حضروا عند منكوقاآن ادعى كل واحد من الملك المظفر - ابن صاحب ماردين - والملك الكامل، صاحب ميافارقين أنه أحق بالملك من صاحبه، وأكبر بيتا منه. فقال لهما منكوقاآن: ليصف كل منكما ملكه فوصف كل واحد منهما بلاده وممالكه، وما في يده. فأخذ منكوقاآن بيد الملك الكامل فأجلسه فوق الملك المظفر، وقال: أنت أكبر مملكة.
ثم جهزهما للعود، وكتب معهما كتابا إلى أخيه هولاكو بالوصية بهما، وقال لهما عند وداعه: ما بقيتم بعد هذه تجتمعون بي إلا من طلبته، وأمركم عائد إلى هولاكو.
وفي سنة خمس وخمسين وستمائة في أواخر المحرم منها وصل رسوله إلى دمشق وعلى يده هدية وسرالة إلى الملك الناصر، مضمونها أنه وصل إلى ميافارقين سالما في الثاني عشر من المحرم منها: ويخبر أنه فارق الملك الجواد عند منكوقاآن " سالما " وهو على نيةّ الحركة المباركة إلى الشام.
كان السبب في ذلك أنه لما عاد من عند منكوقا آن اتصل به أنّ بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - قد كتب إلى ابن خبير الحر - أحد أكابر آمد - ووعده بأشياء كثيرة، وضمن له الوفاء بما وعده على أن يساعده على أخذ آمد. وكان بها نواب صاحب الروم فكتب إلى الملك السعيد - صاحب ماردين - يعرفه بما عزم عليه بدر الدين، ويطلب منه المساعدة على أخذ آمد. فأجابه إلى ذلك. فبعث الملك الكامل إليها عسكرا قدم عليه الملك المشمر - ابن عمه - ونجم الدين مختار - معتق والده - فنزل عليها وحاصرها في شهر ربيع الأول منها، أعني سنة خمس وخمسين " وست مائة ".
واتفق أن خرج الأمير شرف الدين أحمد بن شجاع الدين داود بن بلس الهكاري المموري من الروم ومعه عسكر عظيم، ليكشف عن آمد. فلما اتصل بالملك المشمر قربه منه وبعث إليه على يد العماد الهكاري رسالة مضمونها: إنا لم نقصد آمد إلا لما بلغنا أن بدر الدين قد عزم على قصدها، فأقم في منزلتك التي أنت بها إلى أن نجمع عسكرنا، فإنه قد تفرق ثم نرحل عنها. فوصل إليه الرسول، واجتمع به فيما جاء فيه. فبينما هو معه إذ ثارت غبرة انجلت عن فارسين: أحدهما: الملك المشمر، والآخر: مملوك له. فقال العماد لشرف الدين: هذا الملك المشمر قد أتى ليسلم على الأمير.
فركب بغلته وتقاه بعيدا عن عسكره. فسلم عليه وعانقه، ثم لحق بالملك المشمر عسكر وأحاطوا به وأخذوه ثم قصدوا عسكره وأحاطوا به وأخذوه. ثم قصدوا عسكر شرف الدين، وهم على غير استعداد، فقتلوا منهم خلقا، وانهزم الباقون ونهبوهم.
ثم حمل شرف الدين إلى مخيمه ووكل عليه، وهو في خيمة، فدخل عليه ليلا رجل تركماني يسمى العادل بن سمري فقتله.
وعاد الملك المشمر إلى آمد وجدّ في حصارها إلى أن أخذها عنوة في التاريخ المذكور.
ذكر توجه صاحب ميافارقين إلى الملك الناصر لما عاد الملك الكامل من عند منكوقاآن إلى ميافارقين خلع الطاعة، وحبس نواب التتر. واتصل ذلك بمنكوقاآن فلم يظهر له تنكر وبعث إليه يأمره أن يتوجه بعسكره إلى بغداد فدافعه وسوفه.
فلما نزل هولاكو على بغداد خرج من ميافارقين إلى حرّان فلما وصلها كتب إليَّ كتابا، وكنت بحلب على عزم السفر بالهدية يحذرني من الحركة ويشير عليّ بالمقام إلى أن يجتمع بي.
فكتب إلى الملك الناصر أعرفه بوصوله.
وخرج الملك " الكامل " من حرّان وسار على البرية حتى نزل القريتين - من أعمال دمشق -.
فلما اتصل بالملك الناصر وصوله استشار ذوي الرأي من أهل دولته في تلقيه فأشاروا عليه بالخروج، خلا الزَّين الحافظي فإنه قال: متى بلغ هولاكو خروجك إليه جعله سببا إلى قصد بلادك، والمصلحة اعتذارك إليه ورده. فلم يُمكنِ الملك الناصر إلا موافقة الجم الغفير، فخرج إليه وتلقّاه وأنزله بدار السعادة.