فلما عادت رُسلهم بالسعي المُخفق ساروا إلى بلد الموصل وضايقوها. فاستصرخ بدر الدين لؤلؤ - صاحبها - بالملك الناصر فسيّر إليه عسكرا مقدمه الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم - صاحب حمص -، والأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني مشاركا في التدبير. فلما علم شهاب الدين غازي قصدهم إياه رحل عن الموصل وقصد نصيبين فنهب بلدها، وأخذ من بها من عسكر حلب، وفيهم الأمير نجم الدين محمد بن الافتخار ياقوت - أمير حاجب - والأمير سيف الدين الجالي - من أمراء حرّان - وبعث بهم إلى ميافارقين فحبسهم بها.
فلما تحقق قصد عسكر حلب له سار إلى ميافارقين وأخرج الأمراء المذكورين، وخلع عليهم، وسيّرهم إلى الأمير شمس الدين لؤلؤ.
ثم رحل الملك المنصور لقصد شهاب الدين غازي فنزل بظاهر آمد، وبعث إلى السلطان - صاحب الروم - يستدعي منه نجدةً فتأخرت لغارات التتر على أطراف بلاد الروم وتواترت الأخبار على الأمير شمس الدين لؤلؤ والملك المنصور بملك التتر أرزن الروم، وإغارتهم على خرت برت وانهم يريدون كبس العسكر، فرحلا عن آمد وقصدا راس العين. فلما بلغ الملك المظفر ذلك خرج من ميافارقين ومعه الخوارزمية وقصد دُيَنسر.
لما وصل شهاب الدين غازي دنيسر بعث رسوله إلى شمس الدين لؤلؤ بكلام أغلظ له فيه. وكذلك للملك المنصور أيضا. واكن آخر كلامه: إما أن تنزلوا لي عن الجزيرة بأسرها، وإلاَّ فالحرب بيني وبينكم.
فأخّروا الجواب إلى أن يُسيّروا إلى حلب يُعرِّفون الملكة، إذ هي صاحبة البلاد، فلا يكون الجواب إلا منها.
ثم إنهم أجمعوا رأيهم على تسيير الأمير سعد الدين بن الدربوش إلى حلب لإحضار خزاين وحِلع وزرد خاناه، فتوّجه إلى حلب. فكانت غيبته عشرة أيام؛ وحضر ومعه ألفا ألف درهم؛ وثلاثة أحمال خِلع وزرد خاناه؛ فأنفق ما وصل في ضَعفَة العسكر. وأحضر رسول شهاب الدين غازي واخبره أن الجواب ورد من أُخته الملكة " ضيفة " خاتون تقول:) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (وجوابنا نحن فما طلبه من الحرب.
فعاد الرسول ورحل العسكر في إثره.
فلما أنهى الرسول إلى شهاب الدين غازي ما قالوه، انزعج لذلك. ورحل لوقته ونزل على المجدل من الخابور، وجمع من التركمان خلقا عظيما مقدمهم ابن داودا.
فلما تراءى الجمعان قال ابن داودا للملك المظفر: أنا أكسر هؤلاء بالجوابنة الذين معي، فإن معي سبعون ألف جوبان.
ولما نزل الملك المظفر بالمجدل أشار الأمير شمس الدين بالمناجزة. فالتقى الجمعان وتصافا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر صفر سنة أربعين وستمائة. وحمل الأمير شمس الدين على القلب وقصد الملك المظفر فولي الدُّبُر وأتبعه عسكره لا يلوي الولد على أبيه، ولا أخ على أخيه، والجموع تحوشهم، والسيوف تنوشهم، وحالت بينهم الحيم، فلم يُقتل منهم إلا اليسير. واشتغل العسكر بالنهب والسبي، ونزل الملك المنصور في خيمة الملك المظفر، واستولى على أمواله وأثقاله؛ ونجا الملك المظفر - كما قيل - برأس طِمرَّةٍ ولجام.
كان التتر قد قصدوا حلب، ونزلوا على حيلان - قرية شمالي حلب - وعاثوا في البلد، وقتلوا وأسروا، فاضطربت حلب لذلك. وتحصنوا واستعدوا للحصار؛ وخرج من بها من العسكر فناوشهم. فلما لم تر التتر في حلب طمعا استكانوا للمسالمة، وطلبوا الضِّيافة فحمل إليهم ما طابت نفوسهم به، ورحلوا إلى صحراء موش؛ فأقاموا بها إلى أواخر صفر من سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ثم قصدوا ميافارقين. فلما اتصل بالملك المظفر قصدهم إياها حصنها وسترها وأعدَّ فيها المؤن والأقوات وآلات الحصار.
ثم خرج منها ومعه ولده الملك السعيد عمر وابن أخيه تاج الملوك الأمير حسن وقصد نصيبين فنزل على رأس الماء ليستريح، فنام يوم وصوله طلبا للراحة، وجلس ابنه وابن أخيه يلعبان بسكين، فسبقت يد الأمير حسن بالسكين إلى الملك السعيد فقتله، فخاف من عمه وهمَّ بقتله فرآه بعض الغلمان، فتواثبوا عليه ومنعوه. واستيقظ الملك المظفر، وسأل عن الخبر، فأُخبر بما جرى فقال: لو أقمنا بميافارقين لم يجرِ علينا من التتر أكثر من هذا!!.