وركب شمس الدولة وإيلخاتون ليلا، ووصلوا إلى باب الهوة ونادوا بالوالي، وكان اسمه كيغلي فنزل، وفتح الباب ودخلوا وقد أركبوا نجم الدين على فرس، وأُركب خلفه رجل يُمسكه، وقيل: إن الأمير مريض، ودخلوا القصر. فلما حصلوا في القصر وقعت الضجة وقيل: قد مات الأمير الساعة.
وصعد الناس القصر وغُسل الأمير ودُفن بالقصر مدة. ثم أُخرج إلى مسجد الأمير فدفن هناك.
ولما مات شمس الدولة حضر السعيد حسام الدين، ونزل على باب المدينة وراسل خطليشا واستقر الأمر بينهما. وسلّم إليه البلد في شوال من سنة ثمان عشرة وخمس مائة. واستوزر الوزير عبد الملك. وحصل له ما كان لأبيه نجم الدين ومَلَك حلب واستبد بالمُلك، وتزوج بزوجة أخيه إلياس وأولد منها أولادا. وكان ملكا عالما عادلا ذكيا مشاركا في جميع " العلوم ".
وفي سنة أربع وعشرين وخمس مائة ماتت الملكة سيدةُ خاتون بنت قليج أرسلان بميافارقين ودُفنت عند أمها بالقبة ووصل أخوها الملك طغرل من حصن كيفا وتسلّم ما خلفته. وكان صهر الأمير على ابنته.
وفي سنة سبع وعشرين وخمس مائة مات الوزير عبد الملك بميافارقين.
وولي النّظر بالديوان النّاصح علي بن أحمد الآمدي.
وفيها: نازل أتابك زنكي والسعيد حسام الدين قلعة الصَّور. وفتحها الأتابك وقتل بها الأمير حمدان بن أسلم. وكانت للأمير حمدان بن أسلم. وكانت للأمير رُكن الدولة داود فسلّمها إلى السعيد حسام الدين.
وفي سنة ثمان وعشرين وخمس مائة وصل المؤيّد أبو الحسن بن مخطر من الجزيرة فرُتِّب في الاستيفاء مع أخيه الناصح أبي سعيد بميافارقين.
وفيها: وصل حبشيُّ بن محمد بن حبشيِّ من العراق والمكينُ أبو البركات بن أبي الفَهيم الحرانيُّ إلى خدمة السعيد حسام الدين.
وولي حبشي الوزارة، واستقر بها. وبلغ مرتبة لم يبلغها غيره.
وعمل حساب أرباب الأعمال والكُتّاب، وسلك بهم أعسف الطرق.
وقبض على الناصح وولده، وصادرهما.
ومات الناصح بميافارقين وولي مكانه الوزير أبو طاهر، ابن المُحتسب - كان مسجونا فأطلقه وولاه -.
وفي سنة تسع وعشرين وخمس مائة: تزوج السعيد حسام الدين بالملكة.... بنت رضوان - بدر الدين - وعقد عليه مجد الدين ابن السديد.
وفي سنة ثلاثين: وقع الخُلفُ بين السعيد حسام الدين وبين الأمير داود. فأمر السعيد حسام الدين بنقض الرَّبض والمُحدثة. فابتُدئ فيه يوم الجمعة تاسع المحرم.
واجتمع السعيد حسام الدين والأتابك وكسرا الأمير داود على باب آمد. وسارا إلى جبل جور والسيوان فملكوهما، وسلّمهما أتابك إلى السعيد حسام الدين، وانهزم الأمير أرسلان إلى الأمير داود.
وفي سنة ثلاث وثلاثين: وقع الخُلفُ بين أتابك زنكي والسعيد حسام الدين. وصعد صلاح الدين إلى ماردين وقرر أمر الصلح بينهما فسلّم إليه دارا.
وعقد على ضيفة خاتون بنت السعيد حسام الدين.
وفي سنة خمس وثلاثين. أغار الأمير داود على ميافارقين ونهب البلد، ونزل على المدينة. وأقام ثمانية أيام ورحل إلى تل شيخ وأخذها، وأقطع البلد.
وكان يغيرُ كل يوم إلى باب البلد ويأخذُ من الناس " الثياب " من النهر.
وكان بميافارقين يومئذ حبشي والحاجبُ يوسف ينالُ في الولاية. فدبرا الناس، وساسا البلد.
وبقي الخُلفُ بين السعيد حسام الدين والأمير داود إلى أو سنة ست وثلاثين وخمس مائة، واصطلحا واتفقا، ووصل الأمير داود إلى ميافارقين واجتمعا بالقصر.
وفي آخرها: سار شرف الدين حبشي إلى الموصل رسولا إلى أتابك، فقيل: إنه قرَّر في نفس أتابك أن يأخذ له ميافارقين.
" وفي سنة سبع وثلاثين وخمس مائة: قصد أتابك " زنكي " ولاية الأمير يعقوب وملَك حيزان والمعدن وأرزن وجميع ولايته.
وفي سنة ثمان وثلاثين: قصد ميافارقين ووصل إلى تل بسمي ونزل بها. ففي أثناء الليل دخل على حبشي في خيمته مؤمل الشافصي ومحمد بن أبي المكارم وقتلاه، وأخذا رأسه وخرجا. فوقعت الصيحة في المعسكر، واختبط الناس، وأصبح أتابك راحلا من غُدوةٍ وسار إلى بلاده ".
وفي سنة تسع وثلاثين وخمس مائة في يوم من المحرم منها تُوفي الأمير داود بحاني وحُمل إلى حصن كيفا فدُفن هناك.