" وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة بنى جامع المحدثة والمصلى من ماله، وغرم عليه جملة كثيرة، ووقف عليه الوقوف ".
وفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة توفي الوزير المغربي بميافارقين، ودفن بالكوفة بوصية منه بباب المشهد بالغري وأمر أن يُكتب على لوح عند رأسه: " يا جامع الناس لميقات يوم معلوم اجعل الحسين ابن علي من الفائزين الآمنين، واحشره يوم القيامة في جملة التوابين ".
ووقف بميافارقين خزانة الكتب المعروفة إلى الآن: بخزانة المغربي.
وبنى نصر الدولة حمامي العقبة ووقفهما على السور والحمام الجديد وقفها أيضا.
وساق الماء من رأس العين التي في الربض إلى المدينة فانتفع الناس بها.
" وكان في ولايته رجل شيخ من أكابر التجار ومتقدميهم يُعرف بأبي بكر محمد بن جُرّى فشرع في عمل قناة الجامع، فساقها من عين حنباص وأعين غيرها. وغرم عليها إلى أن وصلت إلى الجامع خمسين ألف دينار، وساقها إلى الجامع وإلى الطهارات والحمامات. وانتفع بها اعمَّ منفعة. وعبر الماء على باب داره ولم يُدخل إلى داره منه قطرة، قال لئلا يقول الناس: إنما كان هذا لأجل نفسه - رحمه الله تعالى -.
" وكان أولا سمسارا، فاشترى مرة خاما أول النهار، فعد الظهر وصل قفلٌ، لمشتى خام، فباعهم إياه قبل إيفاء ثمنه، فربح خمس مائة دينار، فسمع نصر الدولة ذلك فاستدعاه فصعد إليه، ومعه الذهب، " فسأله عن ذلك، فقال: نعم وقد حملت الذهب "، ووضعه بين يديه، فقال له: والله ما قصدت هذا! وإنما أردت أن أعلم صحة ذلك وأنَّ في بلدي من كسب في يوم خمسة مائة دينار. فحلف ابن الشَّهاب، وهو ابن جُرَّى - المذكور - أنه لا يأخذها، وحلف الأمير أنه لا يأخذها. فاشترى بها قرية بالسلسة تعرف ببثق نوح ووقفها على حراس الحصون أكلّ واليمانية والجبابرة ".
" ولم يصادر أحدٌ في زمانه سوى هذا الرجل الذي هو ابن جرَّى، وسببه أنه أتُهم بأن صاحب السناسنة صديقه. ووجدوا في بيته سلاحا، فاستشعر منه، فقُبض عليه وصودر، فبلغت مصادرته أربعمائة ألف دينار، وبقي لورثته ثمانون ألف دينار، من أمتعة وقماش وغيره ".
" وكان قد ورد إلى نصر الدولة منجم عالم من الهند فاجتمع به، وحكم له بأشياء، ولبيته. واستدل على جميع ذلك بشيء واضح ثم قال له: يا مولانا! يخرج على دولتك بعدك بمدة رجل قد أحسنت إليه وأكرمته فيأخذ الملك من يدك ويقلع البيت ويكون السبب في خروج الملك عن ولدك. ففكر الأمير ساعة ثم رفع رأسه إلى الوزير " ابن " جهير وقال: إن كان هذا الحديث يصح فسيكون هذا الشيخ!! - عن الوزير المذكور - ثم رفع رأسه إليه، وقال له: يا أبا نصر! إن ملكت فأبق عليهم. فقبل الأرض وقال: " الله الله يا مولانا! أين أنا من هذا؟ ".
وحكى من سمع من الوزير ابن جهير أنه قال: والله من ذلك اليوم ثبت في خاطري أخذُ البلاد، وسيأتي ".
" وفي سنة تسع وأربعين وأربعمائة عُزل القاضي أبو منصور الطوسي عن قضاء ميافارقين وولي القاضي أبو القاسم ابن القاضي أبي علي بن البغل الآمدي، وحضر معه والده القاضي أبو علي وأخوه " أبو " الحسن وابن أبي أيوب وابن بكرون وابن عقيل الخطيب وكانوا سادات آمد ومقدميها.
وقرأ ابن عقيل عهده يوم الجمعة على المنبر بميافارقين وكان سبب ولايته أن أباه القاضي أبو علي كان بآمد، فاستمال أهلها بماله وكلمته. فبلغ ذلك الأمير نصر الدولة وقيل له: وأنت فما صدَّقت أن تأخذ آمد من ابن دمنة حتى يملكها ابن البغل!!. فاستدعى ابنه وولاه قضاء ميافارقين - وهو في الظاهر قاض وفي الباطن رهينة -. وكان ذلك بتوصل الوزير ابن جهير. ثم قبض على القاضي أبي علي ومات في السجن بميافارقين، وحُمل إلى آمد فدُفن بها.