رجعنا إلى ما كنا فيه فلما أكرم الله آدم عليه السلام وأبرز فضله على جميع الخلق، وأمره بالسجود فتكبر وأنف ليسجد لشيء رفع من تحت قدمه أدنى شيء وأخسه، وقال (أنا خير منه خلقتني من نار) ؛ ذكر جوهره، والنار؛ من النور، والنور من العزّة، فأنا أحق أن يسجد لي، ثم ذكر جوهر آدم عليه السلام، فقال: (وخلقته من طين) ، إن الطين من تراب والتراب ما الأرض، والأرض ممشاي وموطئي فأسجد لنفسي؛ وأسجد لتحت قدمي، وأسجد لهوائي؛ فوصف الله ذلك في التنزيل وحذر خلقه فقال: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) ، أي لا تتبعوا الخطوة التي هي خلقتكم فإنها دعوة إبليس وهي تابعة صاحبها، وقال: (وما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) ، أي نهى النفس الطاهرة عن الهوى والهوى الخلقة التي خلقت عليه وهي النفس الباطنة، وإنما سمى تلك التربة نفسا لأن عدو الله ادعاها وإنما سماها هوى لأنها منتهى غلبت في النفس الظاهرة وهويت بها إلى أمها فأمها الهاوية، وذلك أن إبليس خُلق من النار وذلك قوله: (وأما من خفت موازيمه فأمه هاوية) ، وقال: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) ، ويقول: (اتخذ الهوى) ، أي نفسه الباطنة إلهه فجعل يطيعها فيما تأمر أو تنهى، قد نصبها ربّا بين عينيه ثم شهد عليهم إنهم كالأنعام ثم ذكر بأنها أظل من الأنعام.
رجعنا إلى ما كنا فيه فلما صارت النفس الباطنة هوى إبليس وعضوا منه كما ذكرنا أطاعت إبليس بما كان يأمرها من الفحش والأباطيل والمعاصي ولم يكن للنفس الظاهر بدّ من الانقياد لها والطواعية فيما تشير فكانت تواتيها فيما يكره الله وتخضع لها إذ كان فيها من الخبث مثل ما فيها وذلك إنها من تحت القدم وهذه فيما بين القدمين الذي لم يطأها فأيّد الله عبده بما وسَّع عليها من الحلال وأباح لها وأحل وحرم؛ فنبذ الحرام والفحش إلى إبليس فرفعه ورمى الحلال والحسن إلى العقل فرفعه، فأمر بالحرام إبليس فأطاعته النفس الباطنة، فاشتهت النفس الظاهرة فأرادت أن تطيعها وتنقاد لها إذ كانت من جوهرها وإذ كانت الشهوة فيها متحركة نبذ الله إليها بالحلال فتعلقت الظاهرة بها إذ كان الغالب عليها ملكها فلم تنقذ للباطنة فعسكرت عليها الباطنة بجنود إبليس وعسكر عليها الملك وهاجت الحرب فيما بينها وهي مذبذبة بين ذلك وتلك دار الحرب لا سلم أبدا، والجوارح فيما حولها قرأها فمتى كانت الغلبة للملك اطمأنت النفس الظاهرة ورضيت بما أحل الله لها ومتى كانت الغلبة لها كانت منقادة منهوكة في الحرام.