فإذا قلت لا إله إلاَّ الله فلا الثاني، لألف الإله، لأن الاسم المستعار فيه وهو اسم الصّنم، وإذا قلت إلاَّ الله، فألف إلاَّ هو المثبت لألف الله لأن السم المستحب فيه وهو اسم ربنا جل وعزّ، وأما لا فهو عماد الألف هاهنا؛ لأن الألف لا يمكن عبارته باللسان دون اللام إذ هو علمه فكذلك اللام لا يمكن استعماله إلاَّ مع الألف وإن استعمل دون الألف ذهب المعنى، وتلاشى المراد، وبطل المبتغى، وصار كلاماً آخر يؤدي إلى معنى آخر، ولأن الكلام التام عند العرب لا يكون من ثلاثة أحرف إلا في أحرف قليلة منها قول الله: (كن) ، وهو حرفان خرج منهما الملك والملكوت وشأن الدارين، وأمر الآخرة، وذلك تقدير من العزيز العليم، أخرجه من خزائن الربوبية فقوله كن؛ نما هو في الأصل حرف والنون قائمته، فلو قال ربنا لما شاء أن قال: كن من غير نون كان ما شاء، ولكن أحب أن يخرجه مع القائمة ليفهم خلقه كلامه ومعناه في تنزيله في شرائعهم على لغاتهم وألفاظهم ليكون أيسر على ألسنتهم وأفهم للسامع على المراد ألا ترى إلى بعض رؤوس السور المبهمة كيف تاه الناس فيها، وكيف اختلفوا في تفسيرها وهن "الطَّواسين والحواميم والميمات" وغيرها، وهن ثلاثة أحرف، وأكثر فلولاً إنهم تاهوا فيها إذن لهم أتوب في قوله: طس ويس ونون وقاف، وكل حرف منها محشو بمعان وصفات وكل إنما هو بعض من كلام، كما قالوا إن ألف لام ميم، فالألف منها اسم ربنا الله والله اسمه اللطف والميم اسمه الملك فانظر كم حرف اللطيف، وكم حرف الملك، وكم حرف الله، وكم حرف الألف من الله، وكم حرف اللام من اللطيف، وكم حرف الميم من الملك، وقد قال بعض المفسرين إن الألف إلا الله وإن اللام لطف الله، وأن الميم ملك الله، ويقال أيضاً أن الألف اسم الله وأن اللام اسم جبريل، وأن الميم اسم محمد صلى الله عليه وسلم، فقوله (كن) هو حرف كقوله نون وقوله كاف والنون قائمته ليكون للسامع أفهم وللقائل أيسر وأشبع في الكلام وأتم في القالب، فلا كلمة نفي ولا كلمة إثبات ولا يكون الإثبات إلا بالألف ويكون النفي بغير الألف، لأن الألف في لام مضمر مندمج فيه، فإذا قلت لا علمت أنه لام وألف، وإذا قلت إلا علمت أنه لام وألفان أحدهما قبل لا والآخر بعد لا، ولا في الكتابة له فرعان من أصل واحد وفي الكلام لا تظهر إلا في فتحة اللام ومدَّته، فاكتفى الله بنفي كل معبود دونه بحرف لا لأنه وإن كان حرفاً واحداً في الكتابة فإنه حرفان في الأصل لام وألف، والفرعان اللذان فيه يدلان على ذلك، وإن خفي على الناس معرفة ذلك والألف أشرف أسمائه وأعزها فاكتفى به في النّفي وإن كان مضمراً فإن له سلطاناً ينفي وحدة اسم كل معبود سموا باسمه الله اختلافا واستراقاً وانتحالاً واستعارة، ولم يكتفي به عند الإثبات حتى أبرز ألف إلاّ سوى الألف الذي في لا وترك اللف الذي في الأعلى حال تأكيد وتثبيت، فقال عند النفي لا حرف واحد وهو اللام وفيه الألف المضمر، وقال عند الإثبات ألاَّ فترك لا على حالة وأبرز ألفاً آخر قبله ليكون حرفان ظاهران؛ ألف، ولام سوى الألف الذي في لا لئلا يكون إثباته بحرف واحد كما إن النفي بحرف واحد فيشبه الإثبات النفي في قوله (لا) فميز افثبات من النفي بالألف الذي أبرز قبل لا.