والمعنى: جرى إلى السفه انتهى. وليست الدلالة فيهما سواء لوجهين: أحدهما أن الدال في اةية هو الفعل، وفي البيت هو اسم الفاعل، ودلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة اسم الفاعل، ولذلك كثر إضمار المصدر لدلالة الفعل عليه في القرآن وكلام العرب، ولم تكثر دلالة اسم الفاعل على المصدر إنما جاء في هذا البيت أو في غيره إنْ وجد. والثاني أن في الآية حذفاً لظاهر، إذ قدروا المحذوف بخلهم، وأما في البيت فهو إضمار، لا حذف. ويظهر لي تخريج غريب في الآية تقتضيه قواعد العربية، وهو أن تكون المسألة من باب الإعمال، إذا جعلنا الفعل مسنداً للذين، وذلك أن تحسبن تطلب مفعولين، ويبخلون يطلب مفعولاً بحرف جر، فقوله: ما آتاهم يطلبه يحسبن، على أن يكون المفعول الأول، ويكون هو فصلاً، وخيراً المفعول الثاني ويطلبه يبخلون بتوسط حرف الجر، فاعمل الثاني على الأفصح في لسان العرب، وعلى ما جاء في القرآن وهو يبخلون. فعدى بحرف الجر واحد معموله، وحذف معمول تحسين الأول، وبقي معموله الثاني، لأنه لم يتنازع فيه، إنما التنازع بالنسبة إلى المفعول الأول. وساغ حذفه وحده، كما ساغ حذف المفعولين في مسألة سيبويه: متى رأيت أو فلت: زيد منطلق، لأن رأيت وقلت في هذه المسألة تنازعا زيد منطلق، وفي الآية: لم يتنازعا إلا في المفعول الواحد، وتقدير المعنى: ولا تحسبن ما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم الناس الذين يبخلون به، فعلى هذا التقدير والتخريج يكون هو فصلاً لما آتاهم المحذوف، لا لتقديرهم بخلهم. ونظير هذا التركيب ظن الذي مرّ بهند هي المنطلقة المعنى، ظن هنداً الشخص الذي مرّ بها هي المنطلقة، فالذي تنازعه الفعلان هو الاسم الأول، فاعمل الفعل الثاني وبقي الأول يطلب محذوفاً، ويطلب المفعول الثاني مثبتاً، إذ لم يقع فيه التنازع. ولما تضمن النهي انتفاء كون البخل أو المبخول به خيراً لهم، وكان تحت الانتفاء قسمان: أحدهما أن لا خير ولا شر، والآخر إثبات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015