ومنه قوله: كنتم خير أمة، كأنه قيل: وجدتم خير أمة انتهى كلامه. فقوله: أنها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار، فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت: كان زيد عالماً بمعنى صار، دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم. وقوله: ولا على انقطاع طارىء قد ذكرنا قبل أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يكون انقطاع. وفرقٌ بين الدلالة والاستعمال، ألا ترى أنك تقول: هذا اللفظ يدل على العموم؟ ثم تستعمل حيث لا يراد العموم، بل المراد الخصوص. وقوله: كأنه قال وجدتم خير أمة، هذا يعارض أنها مثل قوله: {وكان الله غفوراً رحيماً} لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة، وأن خير أمة حال. وقوله: وكان الله غفوراً لا شك أنها هنا الناقصة فتعارضا. وقيل: المعنى: كنتم في علم الله. وقيل: في اللوح المحفوظ. وقيل: فيما أخبر به الأمم قديماً عنكم. وقيل: هو على الحكاية، وهو متصل بقوله: {ففي رحمة الله هم فيها خالدون} أي فيقال لهم في القيامة: كنتم في الدنيا خير أمة، وهذا قول بعيد من سياق الكلام. وخير مضاف للنكرة، وهي أفعل تفضيل فيجب إفرادها وتذكيرها، وإن كانت جارية على جمع.

{أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وهي جملة في موضع الصفة لأمة، أي خير أمة مخرجة، ويجوز أن تكون في موضع الصفة لخير أمة، فتكون في موضع نصب أي مخرجة. وعلى هذا الوجه يكون قد روعي هنا لفظ الغيبة، ولم يراع لفظ الخطاب. وهما طريقان للعرب، إذا تقدم ضمير حاضر لمتكلم أو مخاطب، ثم جاء بعده خبره إسماً، ثم جاء بعد ذلك ما يصلح أن يكون وصفاً، فتارة يراعى حال ذلك الضمير فيكون ذلك الصالح للوصف على حسب الضمير فتقول: أنا رجل آمر بالمعروف، وأنت رجل تأمر بالمعروف. ومنه {بل أنتم قوم تفتنون} وأنك امرؤ فيك جاهلية:

وأنت امرؤ قد كثأت لك لحية

كأنك منها قاعد في جوالق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015